صدر عن سلسلة "ترجمان" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "فلسفة اللامساواة: رسائل إلى قادة الثورة الروسية"، للكاتب نيكولاي بردياييف، وهو ترجمة بسام مقداد. يتألف الكتاب (336 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) يتضمن أربع عشرة رسالة وخاتمة.
في مطلع عام 2014 أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعميمًا لسائر العاملين في إدارات الدولة الروسية يطلب منهم قراءة هذا الكتاب. لكن هذا التعميم كان بمنزلة عملية سطو على فكر هذا الفيلسوف الذي طرده البلاشفة من روسيا، و هو نيكولاي بردياييف (1874-1948)، أحد كبار ممثلي الفلسفة الدينية المثالية الروسية. بدأ حياته الفكرية ماركسيًا، إلا أنه تخلى عن ماركسيته بعد عودته من منفاه في شمال روسيا لمدة عامين. وقد تمحورت فلسفته حول اعتبار الحرية وليس الوجود هي أساس العالم. نفاه البلاشفة من الاتحاد السوفياتي في عام 1922 على ظهر "بواخر الفلسفة"، مع المئات غيره من الكتّاب والمفكرين والأدباء والفنانين. توجه بردياييف إلى ألمانيا، ثم استقر في منفاه في إحدى ضواحي باريس، وبقي فيها حتى وفاته. وضع أكثر من 40 كتابًا وعشرات المقالات الفلسفية والفكرية والسياسية. رُشّح سبع مرات لجائزة نوبل للآداب في مطلع أربعينيات القرن العشرين.
كتب بردياييف كتابه هذا منذ مئة عام تقريبًا، في غمار الحوادث العاصفة للثورة الروسية. لم يتصدَّ الكاتب لتأريخ تلك الحوادث التي هزّت العالم، بل لمناقشة المقولات كلها التي استند إليها قادة تلك الثورة، وزجّوا روسيا باسمها في آتون حرب أهلية طاحنة. وكرّس بردياييف جهده الفكري طوال حياته في منفاه الفرنسي للنفاذ إلى أعماق النفس الروسية، بغية الكشف عن الميزات التي تفرّدت بها وجعلتها مهيّأة في عام 1917 لخوض تجربة "إعادة خلق آدم التوراتي من جديد"، وتكوين بديل منه في مختبرات الشيوعية البلشفية. يقول بردياييف إن لكل أمة تناقضاتها، لكن في روسيا وحدها تنقلب المقولة إلى مقولة مضادة.