أصبح حوض المتوسط خلال القرن التاسع عشر يعجّ بحركة الملاحة، وقد عملت القوى الأوروبية، عقب مؤتمر فيينا (1814-1815)، على توحيد جهودها لكبح جماح القراصنة بالبحر المتوسط، وتمكنت من خلق إطار قانوني قادر على حماية سفنها؛ فجرّمت مقررات المؤتمر القرصنة، وأجازت ملاحقة سفن القراصنة. ورغم هذه التحولات الدولية، فإن قبائل الريف في المغرب استمرت في نشاطها القرصني، باعتباره نوعًا من الجهاد الشعبي (جهاد بحري خارج مساندة السلطة المركزية)، ضد أطماع القوى الأوروبية وسطوتها. وقد تمكنت قوارب الريفيين "البسيطة"، من تهديد خطوط الملاحة الأوروبية في الحوض الغربي للبحر المتوسط، وتناقل العالم أخبارهم بوصفهم "قراصنة متوحشين". فكان "ملف القرصنة الريفية" يُثير ضجةً كبيرة في العالم الأوروبي؛ إذ شنت الصحافة الأوروبية حملة مسعورة ضد مقترفي هذه الأعمال، وعملت على تشويههم لدى الرأي العام الأوروبي بأسلوب محرّف ومجانب للصواب. فما خصوصيات هذه القرصنة؟ وكيف نظر المخزن إليها؟ وما مدى مساهمة "القوارب" الريفية في تهديد خطوط الملاحة الأوروبية خلال القرن التاسع عشر؟