ثمة تداخل يبلغ حدّ الالتباس بين التاريخ بوصفه سيرورة اجتماعية تاريخية، والتاريخ بوصفه معرفة بتلك السيرورة أو حكاية عنها، بين "ما حدث" و"ما يُقال إنّه حدث"، ومردّ ذلك أنّ البشر يساهمون في التاريخ بوصفهم فاعلين وساردين على حدّ سواء. وإذا ما كانت الوضعية قد مالت إلى تأكيد التمييز بين السيرورة التاريخية وحكايتنا عنها، في حين شدّدت البنائية على التداخل بينهما، فقد آن أوان النظر إلى إنتاج التاريخ خارج الثنائيات التي يشير إليها هذان الموقفان ويعيدان إنتاجها. مثل هذا النظر الخارج على الثنائيات، لا يعني عدم الاعتراف بأنّ للسيرورة التاريخية بعض الاستقلالية إزاء السرد، وبأنّ الحدود بين "ما حدث" و"ما قيل إنّه حدث" تبقى ضرورية، مهما تكن ملتبسة وطارئة. بل يعني أن يؤخذ بأشدّ الحسبان تنوّع الساردين الذين لا يقتصرون البتّة على المؤرّخين المختصين، وما تنطوي عليه سردياتهم من رهانات أبعد من الأكاديميا. إنّ ما يقتضيه تنوّع البشر المساهمين ووجود رهاناتهم هو التركيز الملموس على عملية إنتاج التاريخ، لا الاهتمام المجرد بطبيعة التاريخ. وحده التركيز على هذه العملية يمكن أن يكشف عن الطرائق التي يتداخل بها جانبَا التاريخ في سياق بعينه. ومن خلال هذا التداخل فحسب يمكن أن نكشف عن التباين في ممارسة القوّة؛ ذلك التباين الذي يجعل بعض السرديات ممكنةً ويُسكت أخرى.