صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب إبراهيم معمر دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات: الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، الذي بحث فيه دور منظمة الأمم المتحدة تجاه الأقليات، منطلقًا من دراسة حالة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، فهؤلاء هم أهل البلد الأصليون، وشكلوا أكثرية السكان في هذه البقعة الجغرافية على مر العصور، لكنهم تحولوا قسرًا من "أكثرية" إلى "أقلية" في بلدهم، نتيجة ما ارتكبته إسرائيل من مجازر وقتل وتهجير قسري بحقهم، واضطرار عدد كبير منهم إلى النزوح إلى خارج أرض فلسطين. بقي جزء من هؤلاء الفلسطينيين في المناطق المحتلة في عام 1948، وتطبق عليه القوانين الإسرائيلية.
في هذا الإطار، يؤكد الباحث أن استخدامه مصطلح "الأقلية الفلسطينية" حيثما ورد في الكتاب ليس وصفًا تاريخيًا، بل هو استخدام إجرائي في إطار دراسة تصنيف الأقليات وحقوقها القانونية بموجب اتفاقيات وإعلانات منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، خصوصًا أن بحثه هذا يتناول الأقليات ومفهومها ومراحل تطورها في عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، مع التركيز على حقوقها العامة والخاصة، واهتمام الأمم المتحدة بحقوق الأقليات، وتطور أوضاع فلسطينيي 1948 تاريخيًا واقتصاديًا وتعليميًا وسياسيًا، وسياسة الأمم المتحدة تجاه حقوقهم.
أقليات في العالم
يتألف هذا الكتاب (259 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة أقسام. في القسم الأول، "الأقليات في العالم – مقدمات نظرية واتفاقيات دولية"، ثلاثة فصول. أصّل المؤلف نظريًا في الفصل الأول، "مدخل لدراسة الأقليات - تأصيل نظري"، مدخلًا لدراسة الأقليات ومفهومها، ومراحل تطورها في عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة، وتصنيفها مع التركيز على الحقوق العامة والخاصة، والطبيعة القانونية الآمرة لحقوق الأقليات.
يتضمن الفصل الثاني، "منظمة الأمم المتحدة وحقوق الأقليات"، اهتمام الأمم المتحدة بحقوق الأقليات، من خلال التركيز على دور الأجهزة الرئيسة فيها تجاه حقوق الأقليات. كما تناول معمّر حقوق الإنسان في إطار الهيكل المؤسسي لمنظمة الأمم المتحدة، إضافة إلى أجهزتها المعنية بحقوق الإنسان، وأجهزتها المعنية بحقوق الأقليات.
أسهب معمّر في الحديث، في الفصل الثالث، "دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات"، عن دور الأمم المتحدة تجاه الأقليات، بالتعرف إلى حقوق الأقليات في إطار اتفاقيات الأمم المتحدة وإعلاناتها، مركّزًا على الإعلانات والاتفاقيات المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية، وتلك المتعلقة بالتمييز العنصري، ودور الأمم المتحدة تجاه السكان الأصليين، وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، مع التركيز على بعض النماذج التي تدخلت فيها الأمم المتحدة لتقرير المصير.
سياسة تمييز
في القسم الثاني، "إسرائيل والأقلية الفلسطينية"، ثلاثة فصول. تناول معمّر في الفصل الرابع، "تطور أوضاع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل تاريخيًا واقتصاديًا وتعليميًا وسياسيًا"، وجد المؤلف أن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل مرّت منذ عام 1948 بمراحل تاريخية وسياسية معقدة، إذ شهدت عزلة عن الشعب الفلسطيني والعالم العربي، بسبب سيطرة إسرائيل ومؤسساتها المختلفة على مناحي الحياة. وبعد حرب 1967، عاد التواصل بين هذه الأقلية وسكان الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن هذا التواصل أبرز الاختلاف في المكانة السياسية، على اعتبار أن التجنس بالمواطنة الإسرائيلية قسرًا فرض ظروفًا سياسية واقتصادية مختلفة.
وجد المؤلف، في الفصل الخامس، "مضمون السياسة الإسرائيلية تجاه الأقلية الفلسطينية"، أن إسرائيل سنّت أكثر من 55 قانونًا عنصريًا منحت اليهود بموجبها أفضلية قانونية، وحطت من وضعية كل من هو غير يهودي فيها، وقيدت حريتهم بالتعبير السياسي وبالمشاركة السياسية، وميزت ضدهم بتوزيع الموارد وبتوزيع الأراضي، وجوانب أخرى للحياة الديمقراطية وللمساواة في الحقوق. كما تعاملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل على أنها خطر ديموغرافي وتهديد أمني وطابور خامس، وارتكبت جرائم القتل الجماعي بحقها.
قال معمّر، في الفصل السادس، "سياسة التمييز العنصري تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، إن الأعوام الأخيرة شهدت زيادة في مظاهر هذا التمييز العنصري؛ تمثلت في مشروعات القوانين العنصرية، وانتهاك الحريات العامة للمواطنين العرب، والتصريحات العنصرية الصادرة عن شخصيات جماهيرية، والمعاملة العدائية من الشرطة الإسرائيلية في مجال تطبيق القانون، ومواصلة التمييز ضد الأقلية الفلسطينية في توزيع الميزانية والموارد.
دور وفاعلية
في القسم الثالث، "الأمم المتحدة والأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، فصلان. حلّل معمّر، في الفصل السابع، "دور الأمم المتحدة تجاه حقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، سياسة هذه المنظمة تجاه حقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من خلال التركيز على دورها في هذا المضمار، وكذلك تجاه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبحث المؤلف، في الفصل الثامن والأخير، "فاعلية سياسة الأمم المتحدة تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل"، في فاعلية سياسة الأمم المتحدة تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، ووجد أنه على الرغم من أن هذه الأقلية الفلسطينية تتألف من سكان البلاد الأصليين، ومن اختلافها الواضح عن الأكثرية اليهودية في القومية واللغة والدين والطموحات السياسية، وصدور عدد من المواثيق الدولية في العقود الأخيرة تُعنى بحقوق الأقليات والشعوب الأصلية، فإن إسرائيل لم تعترف بالأقلية الفلسطينية بصفتها أقلية قومية أصلية ذات حقوق، بل عملت على تجزئتها، واعتبرتها طوائف وأقليات، وكثيرًا ما أطلقت عليها في السجلات والإحصاءات الرسمية مصطلح غير اليهود. وطبقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على هذه الأقلية سياسة السيطرة والتحكم والإقصاء والتمييز في المجالات كلها.