صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب هوية السلطة في اليمن: جدل السياسة والتاريخ، ويتناول فيه مؤلفه، أحمد علي الأحصب، السلطة بصفتها محورًا رئيسًا تدور حوله الصراعات السياسية والاجتماعية في اليمن، الظاهرة منها أو الخفية.
وبما أن إثارة سؤال هوية السلطة ليست مسألة جديدة على اليمن، فإن هذا الكتاب يهدف إلى التعرف إلى توزيع السلطة بين الهويات المحلية المختلفة في هذا البلد، وما إذا كان ثمة هوية معيَّنة تستأثر بهذه السلطة، وفقًا لما تقول الدعاوى التي يرفعها الجدل الهوياتي الناشط حول هوية السلطة. كما يهدف الكتاب إلى تفسير هذا الجدل؛ بالتعرف إلى سياقاته، واستكشاف أسبابه ومحركاته وأهدافه، وصولًا إلى استشراف مستقبله وآفاق تقاسم السلطة في اليمن.
يتألف الكتاب (240 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من أربعة فصول، وهو مذيل باستنتاجات المؤلف.
دعاوى وحقائق
في الفصل الأول، "الاستئثار بالسلطة في اليمن: دعاوى الحاضر و’حقائق‘ التاريخ"، يتناول الأحصب حدود جدل هوية السلطة في اليمن ومضامينه، ومنظورًا عبر-تاريخي لمسألة الاستئثار بالسلطة في اليمن، متحدثًا عن طبائع السلطة في التاريخ وقوانين الكثرة والتجزُّؤ. وبحسب المؤلف، يدور الجدل حول هوية السلطة في اليمن اليوم على ثلاثة مستويات هوياتية، هي: الجهوية والعشائرية والمذهبية، كما يرى المؤلف أن مسألة السلطة والسيطرة عليها لم تكن تتمحور حول العصبية بالأساس ولا بالضرورة، بل إنها ارتبطت، إلى حد بعيد، بنشاط الفرد الطموح وكفاحه، وببعض الظروف والمصالح، وهي في الأصل نتيجة لفعلِ قهرٍ وتَغلُّبٍ، أو نتيجة تنافسية.
توزيع هوياتي
يتوصل الأحصب في الفصل الثاني، "التوزيع الهوياتي للسلطة في اليمن"، إلى ما يأتي:
على المستوى الجهوي، تم تداول السلطة بين الأقاليم المختلفة، وعلى الرغم من أن هذا التداول لم يكن بنسب متساوية؛ إذ ترجح نصيب إقليم شمال الشمال، فإن السلطة لم تكن محتكرة تمامًا من أي منطقة أو إقليم، فليس منها ما تجاوز نصيبه من السلطة، سواء من الدول أو من فترة الحكم، نسبة 50 في المئة. وعلى المستوى العرقي والعشائري، تنَقَّلت السلطة بين مختلف الانتماءات، وإن لم يكن ذلك بصورة متساوية فإنه ما من طرف واحد استحوذ عليها، وهذا ينقض أي تصور حول سيطرة نسب أو هوية بعينها على السلطة، كما ينقض التصور الشائع بين اليمنيين والدعوى المركزية في جدلهم حول هوية السلطة التي تتهم الأئمة الهاشميين بالسيطرة على السلطة في البلاد أكثر من ألف عام. وعلى المستوى المذهبي، كان نصيب السُّنَّة من السلطة، سواء من حيث عدد الدول أو من حيث فترة الحكم، يفوق بفارق كبير نصيب الشيعة بفرعيهم الزيدي والإسماعيلي. وهذا يناقض التصورات السائدة والدعاوى القائلة بسيطرة الزيود على السلطة في اليمن أكثر من ألف عام.
تدافع الهويات
في الفصل الثالث، "التدافع السياسي للهويات المحلية: التمظهرات والاشتغالات"، يرى الأحصب أن السياسة والجغرافيا فشلتا في إقامة علاقة طبيعية بينهما، بل جمعتهما علاقة مضطربة عبر العصور، وما زالت علاقة الأفراد والمجتمع بالسياسة والدولة في اليمن علاقة مكانية، حيث يُعبّر عن المواقف والتطلعات والمصالح بلغة جهوية فاقعة، وليس الجدل حول السلطة وهويتها إلا أحد تجليات هذه الظاهرة، فهو تعبير عن مواقف وتطلعات ومصالح جهوية، بل إن الجغرافيا هي المحور الذي يدور حوله، حتى يبدو أن مضامينه العشائرية والمذهبية ليست إلا تفريعات للمضمون الجهوي وفي خدمته. وبحسب المؤلف؛ على الرغم من أن التاريخ مليء بالمحطات الصراعية التي تفوح منها رائحة عصبية عرقية أو عشائرية، فإن اليمن لم يشهد صراعًا سياسيًّا له دوافع عرقية أو عشائرية نقية، والعرقية والعشائرية إنما استُخدمتا كَمسهّل ومحفّز صراعي، والتذرع بهما لم يكن يشكّل نزوعًا طائفيًّا إلا بدافع المصلحة. يضيف الأحصب قوله: "انتهت المذهبية بإضفاء طابع مذهبي على الحقل السياسي اليمني واشتغالاته، وأدّت دورًا مهمًّا في تكريس عدد من الظواهر التي وسمت تاريخ اليمن السياسي وتغذيته، كالصراع المستمر وسيولة الدول/ السلطات الحاكمة، والتفكك المتكرر للبلاد. وما زال هناك ما يؤهلها للاستمرار في أداء ذلك الدور، فاليمن اليوم محاصَر بمذهبية سياسية شيعية وسنّية نشطة تخوض مواجهات ناعمة وعنيفة في الوقت ذاته، وهي حالة تعمل على تعقيد الوضع السياسي وتُؤمِّن وقودًا إضافيًّا للصراع في البلاد".
محركات وآفاق
في الفصل الرابع، "الجدل الهوياتي للسلطة (وحولها) في السياق اليمني: المحركات والوظائف والآفاق"، يبحث الأحصب في السياقات والمحركات للجدل الهوياتي للسلطة في اليمن، مثل ديمومة الصراع السياسي، وشح الموارد الطبيعية، وضعف الدولة، وتحيز السلطة الحاكمة وفسادها، وجدل المركز والأطراف. كما يبحث في الوظائف والغايات؛ كالاحتجاج والإصلاح، وتحفيز العصبيات واستقطابها، وتسويق المشروعات السياسية، والتهيئة الصراعية. وبحسب المؤلف، لا يزال اليمن محتفظًا بحرارة عصبية حيَّة ومتأهبة ومدعومة بغريزة صراعية نشطة ومندفعة، "ولا تزال هناك أسباب وعوامل كثيرة ستحول دون الوصول إلى عقد اجتماعي بشأن السلطة وتداولها، قابل للبقاء وللنجاح".
ويرى المؤلف أن اليمنيين إذا مضوا في مشروع التحول نحو الفدرالية من دون تلبية شروط الفدرلة، فـ "إنهم في طريقهم إلى تفخيخ المستقبل؛ فمن دون الوفاء بتلك الشروط لن يكون هذا المشروع أكثر من مجرد وصفة للفوضى، وسيتسبب للحياة السياسية وللبلاد في مزيد من الحرائق، فبقاء المركز ضعيفًا سيُغري، على سبيل المثل، السلطات الإقليمية ويحفز طموحاتها ونزعاتها الاستقلالية، بما يجعلها تتعامل مع جغرافيتها كأوطان مستقبلية وتتعامل مع الدولة اليمنية كوطن موقت أو اضطراري فحسب، إلى أن تتوافر الفرصة للانقلاب عليه وفك الارتباط به. وعندما يحاول المركز التصدي لها، ستكون البلاد قد دخلت في طور الفوضى الشاملة".