لم يتناول القدماء والوسيطيون مسألة الهوية والاختلاف إلا في سياقات منطقية (جنس الـمُعَرَّف وفصله النوعي)، أو طبيعية (المادة بما هي مبدأ تفرُّد الأشخاص داخل النوع الواحد)، أو لاهوتية (وحدة الجوهر وكثرة الأشخاص أو الأقانيم في المسيحية). لا مكان في هذه السياقات كلها للحديث عن الهوية الشخصية لكل إنسان على حدة. فهوية الـمُعرَّف هي هوية النوع وليس الفرد، والهوية الفردية هوية جسمانية، وليست شخصية، وهوية الجوهر الإلهي لا تتعارض وتعدد الأشخاص. تتمثل أصالة جون لوك الفلسفية فيما يخص هذه المسألة في نقله إشكالية الهوية من إطار الجدال اللاهوتي إلى سياق النقاش العملي. لقد صنع سياقًا مختلفًا يحتضن الهوية الشخصية، فحررها بذلك من الذوبان التام في النوع، ومن الارتهان للتركيب المادي، ومن التبعية للجوهر، فأصبحت معه مرتبطة بالوعي، وصارت هي قلعة المسؤولية الأخلاقية والقانونية.