نحاول في هذه الدراسة مناقشة فكرة الوباء، وما ينبثق منها من أسئلة وجودية متعلقة بعبث الحياة وقلق الموت، وذلك بالعودة إلى روايتين فلسفيتين: الأولى الطاعون لألبرت كامي، وما تعج بها من أحداث مستفزة تقض مضجع الذات المطمئنة وتوقظ السؤال المطمور في أعماقها؛ فهي رواية ترفض الاطمئنان إلى أجوبة الميتافيزيقا وتهدم الجواهر الثابتة والأقانيم الأفلاطونية. وسيكون من باب الادعاء القول بأن الفلسفة - مع كامي- ما زالت تتربص بالحقيقة بغية الوصول إلى الجوهر الثابت المتخفي وراء الصيرورة؛ لأن الإنسان يبدو شريدًا في عالم بلا مراكز ولا حقائق. أما الرواية الثانية فهي العمى لجوزيه ساراماغو؛ تلك الرواية المرعبة التي تقتبس من الأساليب السريالية احترافها للرمز المفعم بالألغاز، حيث يضعها الكاتب أمام القارئ ويدعوه إلى فك شفراتها بغية سبر أغوار الذات وفضح معاناتها مع السلطة الجاثمة على أنفاسها. فمن خلال حديث ساراماغو عن العمى، باعتباره وباء يصيب بلدة صغيرة، يكشف عن أشكال الاستلاب والاغتراب التي تشذ بالفرد عن جوهره الحر والمسؤول، وتزج به في متاهات تحجب عنه رؤية الحقائق. ولعله أراد بذلك أن يبين مدى استفحال أساليب العنف والتنميط Profiling في الحياة المعاصرة التي تتخذ من الديمقراطية والحداثة قناعًا تتستر به عن آلياتها التدجينية.