رسّخت المدرسة الوضعية قناعة متداولة إلى اليوم مفادها تقديس "المكتوب والموثّق"، وما سماه عبد الله العروي "التاريخ بالعهد". وعندما يتعلق الأمر بفضاء الكتابة التاريخية عند العرب أو في بلاد العرب يصعب الأمر نسبيًا، بحكم طغيان الثقافة الشفوية وشيوعها. والمؤرخ مطالب بتجديد مناهجه، ولكن عليه في الآن ذاته أن يحرص على تنويع مصادره وإغناء مدونته وإثرائها. جادت قريحة عدة باحثين فآبوا إلى كتب الفقه والنوازل والمناقب، ومنهم من تجاسر أكثر فاشتغل على إعلانات الصحف في أوائل القرن العشرين، لما كانت الجرائد وسيلة وحيدة تقريبًا للإعلام والأخبار. وفي المقابل، استنبط مؤرخون أوروبيون مصادر نادرة وطريفة؛ فمنهم من اشتغل على لائحات أسعار المآكل بمطاعم المدن الكبرى ليحلل من خلال ذلك تطور الأسعار وتجدد الأذواق وتنوع المنتج الغذائي ... إلخ، ومنهم من اشتغل على بطاقات الزيارات Cartes visites حينما برزت بوصفها وسيلة تعريف بالأشخاص ومراتبهم ومهاراتهم، وفي إطار المزيد من تقسيم العمل والأدوار بالمجتمعات العصرية. والسؤال ها هنا: أيدل البحث عن مصادر جديدة يدل على القلق المعرفي وعقم المصادر المتوافرة أم أنه يتعلّق بشغف التجديد المنهجي، وما يتبعه من ضرورة تنويع المصادر وإثراء المدونة البحثية؟