بين خطاب يبجّل المفاهيم الأساسية المعتمدة في هذه الورقة -الدِّين والثقافة والعولمة- وخطاب
آخر يحذّر منها، يجد الباحث أن هذه المفاهيم مفاتيح أساسية يمكن أن تساهم في نقاش دولي
يسعى إلى فهم التفاعلات الفكرية في العالم الحديث. من هذا المنطلق، تتخذ الورقة موقفًا نقديًا
عقلانيًا بين الموقفين السابقين، آملةً أن تساهم في قراءة موضوعية لإمكانات الحوار بين الثقافات
والحضارات، في عصر طغت عليه الحسابات الأيديولوجية والاقتصادية، على نحو جعل من
الدِّين والعولمة والثقافة في كثير من الأحيان مجرد عناصر للترويج والجذب بغية تنفيذ مشاريع
خاصة، وشخصية أحيانًا.
توضح الورقة عددًا من المعالم النظرية التي تَسِمُ المفاهيم الثلاثة، إضافة إلى مفهوم الحوار، وذلك
في تركيز على المستويات الإجرائية لهذه المفاهيم بما يساعد في تطوير الأطروحة الأساسية. وكما
تبيّن الورقة الأشكال التي تكون فيها هذه المفاهيم أسبابًا مباشرة لعدم الحوار وللقطيعة، بل
للصراع التراجيدي بين مختلف مكوّنات المجتمع الدولي في كثير من الأحيان، فإنها تتناول أيضًا
الأشكال التي تجعل من هذه المفاهيم دعائم وركائز أساسية للحوار والتفاهم بين الشعوب في
العصر الحديث. وذلك قبل أن تنتهي إلى الموازنة بين اللحظتين، لتبيّن أن المعطيات الدِّينية والثقافية
والعولمية تشجّع، في الوقت الحالي، على القطيعة أكثر ممّا تشجع على الحوار، ومن ثمة تسعى، في
ضوء هذا التشخيص، إلى تقديم نظرة استشراف للمستقبل في ما يتعلّق بمسألة الحوار.