في طيات كلمة "التاريخ" معنيان؛ فهي تُطلق على مجموع الوقائع التي حصلت في الماضي من جهة، وتعني الطريقة التي تروي تلك الوقائع من جهة أخرى. لا شك في أن لهذه الازدواجية في المضمون انعكاسات على العملية التاريخية التي تعاني في الوقت الراهن مشكلات، إنْ على ماهية التاريخ بوصفه مادةً، أو على مستوى المنهج. ما معنى أن تكون مؤرخًا في الزمن الراهن؟ هل من حاجة إلى دراسة التاريخ؟ هل التاريخ سجلّ لوقائع الماضي فحسب، بحيث يهدف إلى حفظها من النسيان؟ أم أنّ له أهدافًا أبعد وأهم من ذلك؟ وكيف يستطيع المؤرخ أن يتجاوز الرواية المنسوجة والموروثة؟ وهل يقدر على هذا التجاوز؟ ثمّ كيف تعيش المجتمعات تاريخها؟ وما الصور التي تحتفظ بها عن ماضيها، وتحتفظ بها في حاضرها أيضًا؟ وما علاقة ذلك بعمل المؤرخ؟ سنحاول من خلال هذه الورقة مناقشة هذه القضايا والإشكالات.