تسعى هذه الدراسة إلى تعقّب مكانة مفهوم الحرية ورصدها، بحسبانه من المفاهيم المحورية التي انضوت عليها الحداثة عندما انبثقت في أوروبا ابتداءً من القرن السادس عشر عبر جُملةٍ من التحولات التي شملت جميع مناحي الحياة: الاقتصاد، والسياسة، والعلوم، والاجتماع ... إلخ، وذلك عند كلٍّ من أحمد لطفي السيد وعبد الله العروي. يحتلّ السيد مكانةً أسنى في الثقافة العربية المعاصرة، ومردّ ذلك أنه كان من أبرز المتبنّين لقيّم الحرية. والأمر راجعٌ إلى أنه رأى فيها مرادفًا للحياة، ولا سيّما أنّه كان رائدًا للتيار الليبرالي في الرّقعة العربية بلا مدافعة. أمّا العروي فإنّه قدّم، في إطار مشروعه الفكري المؤسّس على سؤال الحداثة، سلسلةً من المفاهيم (الأيديولوجيا، والحرية، والدولة، والتاريخ، والعقل)، نال مفهوم الحرية مكانةً فيها. إنّ غاية "مفهوم الحرية" هي خلق علاقة سجالية بين التصورات الأولى للحرية في المخيال العربي القديم والتحول الذي طرأ على معناها بعد القرن الثامن عشر عند العرب، وبين الحرية بوصفها مفهومًا في وضعه الحديث كما تبنّته البيئة الأوروبية المنتشية بالحداثة السياسية، وهذه عادة درجَ عليها العروي في سلسلة المفاهيم.