ينطلق هذا البحث من السياقات المختلفة التي أَمْلَت اعتماد العثمانيين ما دُعي ب «التنظيمات » أو
الدستور -الاصطدام برأسماليات توسّعية وتنافسية؛ وعي النخب المحلية أهمية الإصلاح؛ التوتر
الناجم عن تعدّد التكوينات المحلية وتعقّدها- لكي يرصد ما انطوت عليه هذه «التنظيمات »
من جمع بين الم أمول )فكرة المواطنة بمفهومها الغربي المندرج في تشكّل الدولة/الأمّة وقيام
المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمواطن( والمعي ش )حالة الرعوية العثمانية بمفهومها
المندرج في الدولة/العصبية الغالبة والعامة وفي المجتمع المتشكّل من عصبيات مختلفة(. ومن
أجل هذه الغاية، فإن البحث لا يكتفي بالعودة إلى نصوص التنظيمات العثمانية ونصّ القانون
الأساسي الذي هو دستور 1876 ، بل يعيد النظر أيضًا في رهانات نخب، تركية وعربية
وإيرانيّة، على إمداد مبدأ «التبعة » )أو الجنسية( العثمانية والتمثيل المشتقّ منه بأيديولوجيا وطنية
وقومية وبتأكيد مطالب الحرية والمساواة والمشاركة من موقع التماهي مع التجربة الأوروبية.
هكذا، يفصّل البحث في كيفية تعامل كلٌّ من رفاعة الطهطاوي وبطرس البستاني مع مفهومي
«الوطن » و «الوطني » في لحظة تحول اعترت استخدام هاتين المفردتين العربيتين لتكسبهما معاني
ودلالات مستعارة من التجربة الديمقراطية والوطنية الغربية، وكيفية تعامل كل من رشيد رضا
وحسين النائيني مع مفهوم «شورى الأمة » بعد أن حمّلا مفردة «الأمة » معنى الدولة/الأمة، حيث
تشارك الأمة السلطان في الحكم وتقيّده بأحكام الدستور.