تمت عملية الإضافة الى سلة التسوق بنجاح لديك الآن  مادة/مواد في سلة التسوق الخاصة بك
  • شارك:
العولمة ودوافع الاستياء منها، مراجعة ثانية: مناهضة العولمة في عصر ترامب
  • السعر :
    24.00 $
  • بعد الخصم :
    19.20 $
  • الكميّة:
  •  

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب العولمة ودوافع الاستياء منها، مراجعة ثانية: مناهضة العولمة في عصر ترامب Globalization and Its Discontents Revisited: Anti-Globalization in the Era of Trump، ضمن سلسلة "ترجمان". وهو من تأليف جوزف إ. ستيغلتز وترجمة عبير تقي الدين، ويقع في 592 صفحة، تشتمل على تمهيد ومقدمة وثلاثة عشر فصلًا جُمعت في قسمين، إضافةً إلى خاتمة لطبعة عام 2017، وثبت مصطلحات ومراجع وفهرس عام.

يُعدّ هذا الكتاب نسخة محدّثة من عمل ستيغلتز المعروف، فهو يعيد تقويم وعود العولمة وإخفاقاتها في السياق المعاصر. ويتناول، بأسلوب يجمع بين الوضوح والعمق، السياسات الاقتصادية التي فرضتها مؤسسات دولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، على الدول النامية، مبرزًا كيف أسهمت هذه السياسات في زيادة الفقر وتعميق عدم الاستقرار بدلًا من تحقيق التنمية الموعودة.

ويناقش المؤلف آثار الأزمة المالية العالمية عام 2008، وصعود الشعبوية، وتراجع التجارة الحرة، وصولًا إلى تحليل السياسات الاقتصادية خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى. ويقدّم، من خلال خبرته الواسعة داخل هذه المؤسسات الدولية، رؤيةً نقديةً دقيقةً تكشف أسباب فشل السياسات النيوليبرالية، ويقترح في المقابل بدائل أكثر عدلًا وإنسانية.

وعود العولمة وإخفاقاتها

يصوّر الكتاب مسار العولمة بما حمله من وعود كبرى وإنجازات بارزة، وما أفرزه في المقابل من إخفاقات ثقيلة ونتائج سلبية جسيمة. فمع صعود ترمب عام 2017، برزت حدود العولمة وتبعاتها بوضوح، لا سيما على الطبقات الوسطى والدنيا، على الرغم من أن النظام الاقتصادي الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية قد عزّز التجارة العالمية وأسهم في انتشال الملايين من الفقر.

غير أنّ مخرجات هذا المسار لم تتوزع بطريقة عادلة؛ إذ إن الشركات العملاقة والطبقات الثرية استأثرت بها، في حين دفعت المجتمعات الصناعية التقليدية والفئات العاملة الثمن بتراجع مستويات المعيشة وتفاقم الأزمات الاجتماعية والصحية. ويبيّن الكتاب أنّ جوهر الاستياء لا يعود إلى مبدأ العولمة في حد ذاته، بل إلى المبالغة في وعودها، وغياب العدالة في تقاسم المكاسب، وانحياز الحوكمة إلى مصلحة الدول الكبرى والشركات العابرة للقوميات، فضلًا عن سيطرة النيوليبرالية وما جرّته من أزمات متلاحقة.

وهكذا نشأت منظومة دولية صُمّمت لخدمة الأقوياء، يصعب تعديلها بفعل تمسّك المستفيدين منها بامتيازاتهم. ومع ذلك، يوضح المؤلف أنّ هذا المسار لم يكن قدرًا محتومًا، بل ثمرة خيارات سياسية؛ فالتجربة الإسكندنافية أثبتت إمكانية إدارة العولمة بسياسات اجتماعية أكثر عدلًا، على النقيض من الولايات المتحدة ومعظم الدول المتقدمة التي فرضت "إجماع واشنطن" القاسي على البلدان النامية، ففاقمت الأزمات ورسّخت التفاوت.

ويبرز الكتاب كذلك مسؤولية العولمة في تفكك المجتمعات المحلية، نتيجة نقل الشركات عملياتها الإنتاجية إلى الخارج؛ ما أدى إلى انهيار مدن صناعية واندثار دورها الاقتصادي والاجتماعي. وتفاقمت خسائر الدول الفقيرة بسبب القواعد الدولية غير العادلة، وسوء إدارة المؤسسات العالمية، إضافة إلى عبء التغير المناخي الذي تتحمله هذه الدول على الرغم من أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الدول الغنية. وزادت الأزمة تعقيدًا مع تحوّل الملكية الفكرية إلى أداة جديدة لنقل الثروات نحو الشمال، وتراجع نموذج التصنيع والتصدير في آسيا، وتصاعد موجات الهجرة وما نتج منها من توترات متراكمة. ومنذ احتجاجات سياتل عام 1999 وصولًا إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، تعاظم الوعي الشعبي بآثار العولمة غير المتوازنة، ثم جاء صعود ترمب ليغذي هذه الشكوك بخطابه الحمائي، وإن كانت التحولات البنيوية في الاقتصاد العالمي أوسع نطاقًا من شخصه وتتجاوزه.

خيارات المستقبل ومقاربات الإصلاح

يطرح المؤلف ثلاث مقاربات محتملة للمستقبل: الأولى، الاستمرار في نموذج "إجماع واشنطن" الذي أثبت فشله؛ والثانية، "الحمائية الجديدة" التي مثّلها ترمب، لكنها بدت عاجزة عن تقديم حلول حقيقية؛ والثالثة، عولمة أكثر عدالة تقوم على إعادة صياغة القواعد الدولية وتوزيع المكاسب بصورة منصفة، مع تبنّي سياسات وطنية تعوّض المتضررين وتعيد التوازن بين العمال والشركات الكبرى، وبين الشمال والجنوب.

ويخلص الكتاب إلى أن نجاح العولمة لا يقوم على تحرير الأسواق وحده، بل على وجود سياسات محلية رشيدة ونظم حماية اجتماعية عادلة، بما يضمن لها قدرًا أكبر من الاستدامة والإنصاف في عالم ما بعد ترمب. ومن خلال ذلك، يقدّم المؤلف قراءة نقدية لمسار العولمة وتحولاتها خلال العقود الأخيرة، مبيّنًا أن الأزمة لم تكن في العولمة نفسها بقدر ما كانت في إدارتها عبر سياسات "إجماع واشنطن" التي عمّقت التفاوتات وأشعلت أزمات مالية متكررة. فقد أدّت تلك السياسات إلى تآكل العدالة عالميًا، وعودة الحمائية وانسحاب الولايات المتحدة من دورها القيادي التقليدي، في حين واصلت المؤسسات الدولية عملها بقدرة محدودة؛ ما فتح المجال أمام البحث عن إدارة أكثر توازنًا للعولمة.

ويكشف أن الهيمنة الغربية لم تنحسر بعد الحرب الباردة، بل أعادت إنتاج نفسها بأشكال جديدة أقرب إلى استعمار اقتصادي، من خلال فرض شروط قاسية على الدول النامية من دون استثمار فعلي في الإنسان أو البنى التحتية. وبدلًا من أن تقود هذه السياسات إلى تنمية عادلة، آلت مكاسبها إلى النخب والدول الكبرى، في حين دفعت بعض البلدان النامية إلى البحث عن بدائل أكثر إنصافًا. وينتقد المؤلف النماذج الاقتصادية التقليدية التي افترضت وجود أسواق مكتملة وسلوك عقلاني، في حين أثبت الواقع هشاشتها. فقد أدّت سياسات التحرير السريع والخصخصة في الاقتصادات الانتقالية والنامية إلى تفشّي الفساد والركود وظهور أوليغارشيات نافذة، بينما برهنت التجارب التدرجية، كما في الصين وفيتنام، على فاعليتها في بناء مؤسسات راسخة وتحقيق نموّ مستدام. من هنا، برزت الدعوات إلى ما يُعرف بـ "إجماع ستوكهولم"، الذي يقوم على موازنة دور الدولة والسوق والمجتمع، مع مراعاة خصوصية كل بلد على حدة.

إشكاليات رأس المال وتجارب بديلة

يناقش الكتاب إشكالية تدفقات رأس المال بين الدعوات إلى التحرير الكامل والحاجة إلى ضوابط وقائية، موضحًا أن الأزمات المالية أكدت أنّ الأسواق غير المقيّدة لا تحتوي على المخاطر، بل تُنتجها، وأنّ إنقاذ البنوك الكبرى على حساب المجتمعات لم يؤدِّ إلّا إلى تغذية الغضب الشعبي وصعود النزعات الشعبوية. ويكشف المؤلف عن ازدواجية المعايير الغربية؛ فبينما فُرضت سياسات تقشفية صارمة على دول شرق آسيا، لجأت الولايات المتحدة وأوروبا في أزمة 2008 إلى سياسات إنفاق واسعة لحماية اقتصاداتها.

وتبرز التجربة الإثيوبية، بحسب الكتاب، إمكانية تحقيق التنمية خارج وصفات صندوق النقد الدولي، في حال صُمّمت السياسات بما يتلاءم مع الخصوصيات المحلية؛ إذ إن البلاد تمكّنت من تحقيق نموّ استثنائي بفضل الدور الفاعل للدولة في توجيه التنمية الصناعية. ومع ذلك، تبقى تحديات الفقر والبطالة ماثلة، لا سيما في ظل التحول العالمي نحو اقتصاد الخدمات، حيث تتقلص فرص التصنيع التقليدي وتتصاعد مخاطر الاحتكار وتتسع فجوة اللامساواة.

العولمة بين الحوكمة والرقمنة

يؤكد الكتاب استمرار هيمنة النفوذ الغربي والأميركي في مجال الحوكمة العالمية، على الرغم ممّا تحقَّق من إصلاحات محدودة، في مقابل بروز مبادرات بديلة من الجنوب، مثل بنوك التنمية الإقليمية ومشروعات الصين ضمن مبادرة "الحزام والطريق". وبذلك غدت العولمة ساحة تنافس جيوسياسي واقتصادي متعدد الأقطاب مع صعود الصين وتراجع القيادة الأميركية. كما يتناول إخفاقات منظمة التجارة العالمية وازدواجية الخطاب الغربي، إلى جانب تحوّل الاقتصاد الرقمي واقتصاد المنصات إلى ميادين جديدة للهيمنة عبر البيانات والاحتكار التكنولوجي، وهو ما ولّد مخاوف متصاعدة تتعلق بالخصوصية والعدالة وفرَض على الدول إعادة التفكير في أطرها التنظيمية.

وتخلص القراءة إلى أنّ العولمة لا يمكن تجنّبها، غير أنّ إدارتها هي التي تحدد مصائر الشعوب. فإذا استمرت السياسات الراهنة، ستتعمق الاختلالات ولن يستفيد منها سوى الأقوياء، أما الطريق نحو عولمة أكثر استدامة وعدالة فيكمن في إصلاحات شاملة تعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية والازدهار المشترك، وهو ما يشدد عليه المؤلف منذ البداية.

* موقع الكتب الإلكترونية يرحب بتعليقات و مناقشات المشاركين الحية و المهذبة في نفس الوقت ، لذلك نحن لا نتيح شاشة التعليقات ظاهرة و مفتوحة بشكل افتراضي، الى أن يقوم المستخدم بتسجيل الدخول.
البيانات غير متوفرة للمراجعات