يروم هذا البحث إبراز كيف توسل جاك دريدا باستراتيجية التفكيك للاضطلاع بمهمة مزدوجة في الفكر الفلسفي المعاصر؛ مهمة قوامها الهدم والبناء: هدم «ميتافيزيقا الحضور » عبر تشخيص أمراض فكر غربي متمركز حول ذاته، يقصي الهامش والخارج والمشتق، ويلوذ بالمركز والداخل والأصلي، ثم بناء «فكر الاختلاف » عبر مباشرة فكر مغاير ومختلف، ينأى عن كل مركز، وينفتح على الهامش والخارج والمشتق بفضل فضيلة الاختلاف. وسيبرز البحث أن محاولة جاك دريدا لتقويض ميتافيزيقا الحضور هي، في العمق، تفكير في أسباب الخضوع للمعنى والحضور والصوت المؤسس لميتافيزيقا الحضور ولكل التقليد الفلسفي الغربي الممتد من سقراط إلى مارتن هيدغر؛ وأن رغبته في التأسيس لفكر الاختلاف عبر التفكير في الكتابة كأصل للكلام وكهامش يسكن قلب المركز، ما هي إلا محاولة لكسر طوق تلك الأزواج الميتافيزيقية التي ظلت تأسر الفكر الغربي، والدعوة إلى إعادة بنائه من جديد وفق استراتيجيا لا تنظر إلى الهامش باعتباره خارج المركز، بل باعتباره النقطة التي يتخلخل عندها المركز ويبدأ عندها الاختلاف. وأخيرًا، سيبرز البحث أن اقتران التفكيك بهذه المهمة المزدوجة (الهدم والبناء) يُظهر أن التفكيك يحمل في ذاته معنى الاختلاف؛ فبقدر ما هو هدم لتاريخ الفكر بوصفه تمركزًا حول الذات والعقل والصوت وتاريخًا خطيًا للمعنى والحقيقة، هو كذلك بناء وإعادة رسم معالم جديدة لفكر كوني ينأى عن كل مركز، أي عن كل ميتافيزيقا.