معلوم ما للعلم من سلطة توظفها الدولة لتوسيع رقابتها وتغذية شرعيتها. ومثلما أتاح علم الاجتماع للمستعمر إحكام معرفته للمجتمعات العربية، أتاح للدول المستقلة حديثًا عنه إمكان تشكيل كياناتها السياسية، وإحداث التغييرات التي بشّرت بها في بنية المجتمع وطبقاته العميقة.
ارتبط إنشاء علم الاجتماع في جلّ البلدان العربية بمدّ وطني باتّجاه بناء الدولة الوطنية واستقلالها السياسي. ولم يكن في مستطاع علم الاجتماع إلا أن يكون سوسيولوجيا السياسات. لقد ملأت الدولة كلّ شيء، فكانت الزبون والمموّل ومانح الشرعية لعلم رأته نافذتها على «حداثتها ». وما كان الجهد المبذول لإحداث شرخ في تلك الهيمنة عبر إنتاج سوسيولوجيا نقدية غير جهد محض لأنه كان من داخل خيارات الدولة وسياساتها التي تبنّاها جلّ علماء الاجتماع العرب الأوائل، أو حُملوا على ذلك.