تتتبّع هذه الورقة مسار العلاقة الإشكالية بين الإحصاء والبحث الاجتماعي في الأرض المحتلة سنة 1967 ، وذلك للكشف عن الأثر الاستعماري فيها وتحولاته، والوقوف على الكيفية التي تعامل بها الباحثون الاجتماعيون الفلسطينيون مع البيانات الإحصائية الصادرة عن الجهاز الاستعماري وطبيعة الموقف النقدي منها. ويتعلق مجال البحث بمرحلة ما بعد أوسلو وإنشاء جهاز فلسطيني للإحصاء فتح وجوده المجال واسعًا لإنتاج أبحاث اجتماعية معتمدة على بياناته من دون تطور وعي نقدي بالأثر الاستعماري فيها، ودورها في تشظية المجتمع الفلسطيني وتصنيفه، وإدارة الفلسطينيين والرقابة عليهم، وطرح بيانات ذات سلطة معرفية يعيدون إنتاجها بحثيًا والبناء عليها.
تركز الورقة على التسليم ببيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء وعدم نقد الأسس التي قام عليها، وتُفرد حيّزًا للمسح الإحصائي الأهم في المرحلة الانتقالية بين مسوحات الإدارة المدنية الإسرائيلية ومسوحات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، وهو بحث معهد «فافو » النرويجي الذي شكّل – بحسب افتراض الورقة- التعبير الأهم عن دور الإحصاء في تشظية المجتمع الفلسطيني وتجزئته كوحدة للتحليل والدراسة، وثبّت التجزئة الإسرائيلية الجغرافية والقانونية للمجتمع الفلسطيني، ومهّد لإنشاء جهاز الإحصاء الفلسطيني كحلقة أدق في إدارة الفلسطينيين وضبطهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفير معلومات وبيانات يعيدون إنتاجها لتشكّل معرفتهم عن أنفسهم.
مع الاهتمام بطبيعة الحالة المركّبة للمناطق المحتلة سنة 1967 ، وهو ما يجعلها تحت سيطرة سلطتين متداخلتين تمارسان الإدارة والرقابة والضبط على السكان بطريقة فريدة، تشكّل دراسة دور الإحصاء في إرسائها مساهمة أساسية في سبيل فهم أثر هذا التركيب والتداخل في المجتمع الفلسطيني ومعرفته الاجتماعية التي ينتجها عن نفسه.