سواء أهاجر المندائيون من فلسطين إلى بلاد ما بين النهرين، حسبما يعتقد أنصار نظرية الأصل الغربي، أم كانت بلاد ما بين النهرين هي موطنهم الأول حسبما يعتقد الباحثون من القائلين بنظرية الأصل الشرقي، فإنّ المنطقة الممتدة ما بين واسط والبصرة، والتي شكلتها منذ القدم البحيرات العذبة وروافد نهر الفرات وأطلق عليها الجغرافيون المسلمون اسم البطائح، هي المجال الذي استوطنه المندائيون الأوائل منذ عصور ما قبل الفتح الإسلامي للعراق وحتى يومنا هذا؛ ففي هذه البيئة الزراعية الخصبة والغنية بمجاري الأنهار والمستنقعات العذبة تبلورت عقائد المندائين المتعلقة بتقديس الماء الجاري وعدِّه رمزًا للحياة.
ولمّا كان الاهتام بتاريخ المندائيين وأصول عقائدهم قد ظلّ حكرًا على المستشرقين حتى يومنا هذا - إذ قلَّما سجّل فيه باحث عربي إسهامًا ذا بال - فقد قسمت هذه الدراسة إلى شطرين، عُني الأول منهما وعنوانه "تاريخ الدراسات المندائية"، بتسجيل نقدي شبه حصري للدراسات القيّمة التي أثّرت دون غيرها في اتجاه البحث العلمي بخصوص طائفة الصابئة المندائيين، ومثّلت انعطافًا يستحق التسجيل.
أمّا الشطر الثاني من الدراسة، فهو تحت عنوان "أبرز المستجدات المتعلقة بأصول المندائيين ومصادر ديانتهم". وقد ناقشت فيه أصول الصابئة المندائيين، وإلى أيّ عرق ينتمون، ومصادر ديانتهم عبر دراسة عقائدهم وكتبهم المقدسة. كما ناقشت نظريتَي الأصل الشرقي، والأصل الغربي والإشكالات المحيطة بهما، وأبرز المستجدات في الجدل الدائر بين الباحثين في هذا الصدد.