أنتجت نخبة «العلماء » الإصلاحيين المغاربة في بداية القرن العشرين كتلة من النصوص السياسية التي تعبّر عن تطلعات جديدة نحو إعادة تنظيم السلطة انطلاقًا من حمولة معرفية وثقافية تنهل من التراث الفكري الإسلامي، وتحاول تجديد قواعد الحكم، مستلهِمةً بعض التجارب الدستورية الناجحة في أوروبا، مع الانشداد في الوقت نفسه إلى مفاهيم التراث السياسي الإسلامي.
اضطلع العلماء بأدوار متعددة داخل المجتمع المغربي، واستطاعوا أن يشكّلوا «فئة » اجتماعية تُعَدّ من أعيان المدينة التي يقطنون فيها، إمّا بسبب المناصب والرتب الإدارية، وإمّا بوصفهم شخصيات لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام، تستمع إليها وتثق بها شريحة عريضة من أفراد المجتمع، وهو ما أدى إلى تعزيز دورها الاجتماعي والسياسي.
شكلت قضية الحكم وتنظيم السلطة مجالًا اهتمت به النخبة الإصلاحية، وقدمت بصدده تصورات مختلفة؛ فقد طرحت إشكالية الإصلاح السياسي في المغرب منذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن العشرين، بفعل انتشار بعض بوادر الوعي في أوساط «النخبة » بأن تتوفَّر البلاد على دستور هو الضامن للحرية من جهة، وهو من جهة أخرى الوسيلة لحماية استقلال البلاد وبناء دولة تقوم على أسس عصرية، وتقاوم حكم الاستبداد والسلطة المطلقة. وقد انطلقت المحاولات الدستورية الأولى من زاوية إصلاحية تحاول إيجاد صيغة قانونية عملية تنظم وضعية الحكم، وتسمح لممثّلي السكان بالمشاركة الفعلية في تدبير شؤون الوطن عن طريق إقامة مؤسسات دستورية، تكون قادرة على مواجهة المخاطر الأجنبية المحدقة بالبلاد.