يحاول إدريس مقبول في كتابه "سيبويه معتزليا: حفريات في ميتافيزيقا النحو العربي" (304 صفحات، من القطع الكبير) البرهنة على أنّ اللغة لم تنفصل في أيّ يوم من الأيام عن العقيدة، وأنّ العقيدة ليس لها وجود فعلي إلّا باللغة، لأنّها مضمرة ولا تظهر إلّا باللسان. ويرى الكاتب على طريقة ابن جنّي، أنّ أأكثر من ضلّ من أهل العقيدة وحاد عن القصد هو من كان في لغته ضعف.
وينطلق المؤلف في هذا العمل من دعوى انبناء النظر النحوي عند سيبويه على الأصول الكلامية للفكر المعتزلي، بما دعا الكات إلى أن يستجمع مستويات الاستدلال الممكنة كلّها للدفاع عن هذه الدعوى، محاولًا في النسق التحليلي نفسه الدفاع عن أصولية النحو العربي وتجذّرها في الثقافة العربية - الإسلامية. إذ افترض أنّ كلّ علم كائنًا ما كان، يدخل فيه قدر من التفلسف، ليس على أساس أنّ الفلسفة تتولّى النظر في مناهجه ونتائجه كما تنهض بذلك فلسفة العلم، وإنّما انطلاقًا من أنّ لكلّ علم رؤية فلسفية تخصّه، وتكون هذه الرؤية جملة من القيم والتصورات والمعتقدات التي تبنى عليها بعض مسلّماته. وانتهى الكتاب في هذا الإطار إلى بيان طبيعة العلاقة التي انتسجت بين مختلف المعارف الأصيلة في ثقافتنا، محاولًا رسم الحدود الوهمية الاعتبارية للتداخل والتأثير، وجاعلًا علم الكلام هو الفلسفة الأصيلة للنظر النحوي عند سيبويه.
والهدف من هذا الكتاب فحص الأثر المعتزلي في نصوص سيبويه. ولهذه الغاية عمد الكاتب إلى إنشاء حفريات في المدونة النحوية لسيبويه الموسومة بعنوان "الكتاب"، وإلى تتبّع "خيوط اللاهوت" المعتزلي في الفكر النحوي لسيبويه. وقاده هذا المسار إلى قضايا التأويل النحوي للقراءات القرآنية، وإلى الردّ على بعض التيارات الاستشراقية التي تأبى إلّا أن تردّ أيّ جهد فكري عربي إلى أصول غير عربية كاليونانية مثلًا؛ فقد سعى كثيرون إلى إقامة البرهان على أنّ النظر النحوي عند العرب مدين للفلسفة اليونانية في نشأته وبنائه. واستعانوا في هذا السبيل بالمناظرة المشهورة بين أبي سعيد السيرافي ومتّى بن يونس. أمّا الكاتب، فينتصر لسيبويه الذي تأثّر بالثقافة الفقهية وبالمنهج الفقهي، إلا أنّه كان أحد بنّائي منهج النظر النحوي.
وتجدر الإشارة إلى أن تصميم الغلاف مستوحى من لوحة للفنان د. مروان عقراوي.