ضم ملف "أزمة المدينة العربية" أربع دراسات علمية تناولت العديد من الإشكاليات البحثية في المدينة العربية. قدمت اثنتان منها في المؤتمر الخامس للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، آذار / مارس 2016.
عمل الباحث معاوية سعيدوني في الدراسة الأولى "أزمة التحديث والتخطيط العمراني في الجزائر جذورها، واقعها، آفاقها" على وصف وتحليل لتجربة التصادم المعماري التاريخي الذي حدث في الجزائر، أولًا في سياق استعماري استيطاني مارست خلاله فرنسا الهيمنة على المجتمع والفضاء والفن والتعمير، ثمّ في سياق الاستقلال إذ وجّه الإرث الثقافي الاستعماري التصورات والمرجعيات. وقد ترتب على ذلك تفكيك النموذج المعماري الأصيل في الجزائر الذي تمثّله المدينة "القديمة" بتقسيماتها الوظيفية والفنية والاجتماعية الراسخة في الزمن، وتقسيمات سياسية - اجتماعية جديدة تستجيب لحاجات المستعمر أكثر منها لحاجات السكان الأصليين، إلى جانب تشوهات فنية وقيمية في النسيج المعماري العام.
تناولت ورقة "المدينة العربية الحديثة: قراءة سوسيو لسانية في أعراض مرض التمدن" العلاقة المتبادلة بين الإنسان والعمران واللسان. انطلق إدريس مقبول فيها من فرضية مفادها أنّ أعراض مرض التمدن ناجمة عن عدم الانسجام والتوافق، وهي تظهر عنفًا واستبعادًا وميزًا عنصريًا على مستوى الهوية الإنسانية، وتلوّثًا بصريًا وتشوّهات مجالية على مستوى الهوية العمرانية، واغترابًا وتفككًا لغويًا واضطرابًا تواصليًا على مستوى الهوية اللسانية. أمّا فؤاد غربالي فقد اعتمد في ورقته "سوسيولوجيا المعاناة من خلال المعيش اليومي لشباب الأحياء الشعبية: شباب أحياء مدينة صفاقس مثالًا" على بحث ميداني في "حي العقاربة"، أحد أحياء مدينة صفاقس. حاول فيها إبراز تجربة التهميش والإقصاء الاجتماعي في حي العقاربة، ليس بوصفها حتمية وقدرية ومعطى يتمّ خارج ذاتية الفاعلين وبعيدًا عن سيطرتهم، بل بوصفها تجربة اجتماعية وإحساسًا ذاتيًا يطور إزاءها الفاعلون مقاومة تتخذ في الغالب إستراتيجيات مختلفة يعمل من خلالها شباب هذه الأحياء على ضمان "الاستمرار في العيش" والدخول إلى مجتمع الاستهلاك الحضري.
سعت دراسة "تطور الأحجام السكانية والقوى العاملة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين" لنظام عبد الكريم الشافعي إلى بيان الواقع الحالي للأحجام السكانية وتطوّرها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع الإشارة إلى مسببات التغيرات. وتعرضت أيًضا لجوانب من التبعات، بخاصة الديموغرافية منها في فترة كان يفترض أن تكون الأمور فيها قد هدأت بعد عقود من البناء حتّمت الحاجة الملحّة للعمالة الوافدة. حاول البحث أيضًا معرفة التطورات التي حدثت للقوى العاملة بصورة عامة، مع التركيز على القوى العاملة المواطنة وتطور مساهمتها. واعتمدت الدراسة على تحليل البيانات العامة المنتجة محليًا في دول مجلس التعاون الستّ، ومصادر إقليمية ودولية، إضافةً إلى نتائج الدراسات والبحوث المتفرقة والمنشورة في الموضوع.
يضمّ هذا العدد أيضًا دراسة لطاهر كنعان عن "المهمات التنموية للدولة، والتحكم في السوق بالسياسة الصناعية"، يفحص فيها رؤية الفكر الاقتصادي لدور الدولة حين تكون التنمية المستدامة محور الغايات التي تسعى السياسة الاقتصادية إلى بلوغها. يبيّن البحث أنّ آراء المفكرين الاقتصاديين، وكذلك السياسات التي اتبعتها الدول في هذا الشأن عبر العقود الماضية من القرن العشرين والقرن الحالي، كانت عرضة للتغيّر والمراوحة بين اتجاهات متناقضة. لكنّ دروس التجارب العملية التي خاضتها البلدان ذات الأداء الاقتصادي العالي، ولا سيما في شرق آسيا، انتهت إلى إثبات تهافت السياسات النيولبرالية التي سعت مؤسسات توافق واشنطن (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية) إلى ترويجها في البلدان الطامحة إلى الإفلات من الحلقة الجهنمية للفقر والتخلف، وإلى ترجيح جدوى استبدال تلك السياسات بسياسات متوازنة للتحكم في السوق، ومعالجة مواطن الفشل في أدائه، وتحقيق التوزيع الأمثل للمهمات التنموية بين كل من الفضاءين العام والخاص وفضاء المشاركة بينهما.
ضمّ العدد في باب الترجمات ترجمة مقالة "الإقصاء واللا-رسمية: السياسات البريتورية لإدارة الأراضي في القاهرة" للباحث دبليو. جي. دورمان، والمادة من ترجمة هاني عواد. وتركزت إشكالية المقالة على كيفية مساهمة السياسات المصرية الرسمية أو الحكومية بتشكيلِ نموّ القاهرة وتضخمها الخارج عن السيطرة بما يكشف عيوب التخطيط الحضري وثغراته في القاهرة، وهيمنة علاقات السلطة على الفضاء الاجتماعيّ المصريّ.
وفي باب المراجعات والمراجعات النقاشية، ضمّ العدد مراجعة منير الكشو لكتاب "مفارقة التحرير: ثورات علمانية وثورات دينية مضادة"، وهو من تأليف مايكل وولزر، وتقديم نيروز ساتيك لكتاب "المتخيّلات الاجتماعية الحديثة"، الصادر عن وحدة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتقديم المولدي الأحمر لكتاب "المتخيل والمخيالي والرمزي" لموريس غوديليه.
اشتمل العدد أخيرًا على تقرير أعده محمد الإدريسي عن الندوة الدولية حول "الدين والتدين: بين العلوم الإسلامية والعلوم الاجتماعية" التي عقدت في الكلية المتعددة التخصصات في الناظور (المغرب)، 25 - 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2015، إضافة إلى تقرير آخر أعده كمال طيرشي حول المؤتمر السنوي الخامس للعلوم الإنسانية والاجتماعية: "المدينة العربية: تحديات التمدين في مجتمعات متحولة"، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في آذار / مارس 2016.