يرى الكاتب أنّ طريقة موت الإنسان مرهونة إلى حدٍ بعيد بشكل النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه؛ فطريقة الموت، مثل المرض والقتل والموت الطبيعي وغير ذلك، نسق سلوكي مثل أيّ ممارسة اجتماعية أخرى، يُشتق من النظام الاجتماعي العام ويتحقق في سياق حياة الفرد الذي سيموت. ويقود هذا الفهم إلى طرح سؤالين رئيسين بخصوص إمكانية دراسة المجتمع وفهمه من خلال دراسة أنماط الموت السائدة فيه، وإمكانية دراسة الموت من خلال دراسة أنماطه المتباينة نتيجة تنوّع المجتمعات عبر أزمنة وأمكنة مختلفة. ويتناول هذا الكتاب هذين السؤالين في سياق محدد جدًا: الضحية والشهادة والاستشهاد بما هي طرائق موت، والمجتمع الفلسطيني الذي يحتِّم هذه الطرائق.
وتستند المقاربة الرئيسة في هذا الكتاب إلى أنّ طرائق الموت تتيح إمكان دراسة المجتمع الفلسطيني الذي تعرّض منذ أواسط القرن التاسع عشر لممارسات متتالية من التفكيك أقدَم عليها النظام الاستعماري الغربي بصوره المختلفة، تمثّل الصهيونية آخرها. وقد تمكّنت الصهيونية من تفتيت الكيانية الفلسطينية إلى جماعات متفرقة تعيش كلّ واحدة منها على هامش مجتمع آخر لا يكفّ عن إقصائها وتهميشها. وعلى الرغم من ذلك، ما انفكّ الفلسطينيون ينتجون ذواتهم بأشكال متعددة من الوجود الاجتماعي والاقتصادي. ولعلّ المقاومة بما تتضمنه من عنف وموت كانت إحدى آليات إنتاج الفلسطيني كينونته الفردية والجماعية.