يتضمن هذا العدد المحور الثاني الذي خصصته عمران لـ "راهن القبيلة في العالم العربي، أسئلة الإرث المعرفي والتصورات والاستخدامات"، وكانت قد نشرت المحور الأول في العدد 15 منها.
يتطرق عبد الله حمودي في دراسته "الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية: خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثربولوجي مستقل" إلى مفهوم القبيلة وتطبيقاته على مجتمعات المغرب والمشرق العربيين. ويقول حمودي في ذلك إنه يحاول "شق طريق نحو بناء خطاب أنثروبولوجي، ذي معنى دقيق ومستقل في آن واحد". أما الجديد عنده، فهو أنه ينطلق في مقاربته للموضوع من العلاقة الجدلية المعروفة بين 'الداخلي' و'الخارجي'"، ليواجه خطاب الأنثروبولوجيا الكولونيالية وما بعدها بخطاب المعرفة العربية - الأمازيغية عبر تصنيفاتها الخاصة. ومن ثم يخلص إلى أن الانغراس في "المعرفة الداخلية" يؤدي إلى إضاءة الظاهرة القبلية بطريقة أكثر فاعلية، وأن هذه المعرفة تتضمن "معرفة خارجية" ذات أفق كوني. وما مفهوم العصبية إلا مثال نموذجي يُبرز حيوية هذه المقاربة ووظيفيتها التي يمكن تطبيقاتها أن تفتح آفاقًا معرفية تتجاوز موضوع القبيلة كثيرًا.
يطرح ديل أيكلمان في بحثه المعنون "الانتماء القبلي في وقتنا الراهن: التداعيات والتحولات"، متمسكًا في ذلك بالوفاء لنظرته الشاملة التي أسس لها في دراسته لمدينة أبو الجعد المغربية، مسألة الانتماء القبلي على نطاق شاسع، تتسع فيه وحدة المشاهدة إلى مجتمعات، بل إلى مناطق جغرافية بأكملها، وموضحًا "أن الهوية القبلية، شأنها شأن الأسس الأخرى للهوية الاجتماعية، بما في ذلك علاقات القرابة والمواطنة والهوية الوطنية، هي نتاج للعقل البشري (وأحيانًا للإثنوغرافيين والسياسيين أيضًا)؛ وهي بذلك "لا وجود لها كموضوعات يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا فصلها عن السياقات الاجتماعية والثقافية من أجل توثيقها وتصنيفها داخل خانات".
بعد هذا التأسيس النظري، تنشر عمران بحثين لمناقشة القبيلة في العالم العربي. تناول كريم حمزة قبل رحيله في الدراسة الأولى بعنوان "تاريخ الاستخدام السياسي للهوية المحلية العشائرية في العراق: تخادم الدولة والمشيخة" العلاقة الجدلية التاريخية التي نشأت وترسخت بين الدولة العراقية الحديثة وشيوخ القبائل، عبر ما سمّاه "التخادم المتبادل"، بينما خلص صلاح الدين أركيبي في الدراسة الثانية "فئة 'لْمعلمين' في المجتمع القَبَلي البيضاني"، إلى أن "لْمعلمين" (الحرفيين) بقدر ما يشكلون طبقة شبه مغلقة، فإن علاقتهم بالمجتمع القبلي البدوي الصحراوي حددت أصولهم الاجتماعية، حيث المكانة الاجتماعية والتدرج في سلّم الهرم الاجتماعي يتجاوزان أحيانًا عوائق النسب والمهنة.
استكمالًا للنقاش النظري، تطلق عمران نقاشًا حول أهمية مفهوم الداخلي والخارجي في قراءة الظاهرة البحثية، إذ تعيد طرحها في قسم الترجمات بترجمة نص للمؤلف جون بيار أوليفي دي ساردون وهو بعنوان "الداخلي" من ترجمة الحبيب درويش.
وفي قسم الدراسات، ضم العدد بحثين. تناولت الدراسة الأولى بعنوان "البنية الذهنية ونظرية الوظائف الثلاث عند جورج دوميزيل" لياسين اليحياوي، أهم المراحل التي مرَّ بها المؤرخ وعالِم الاجتماع الفرنسي جورج دوميزيل، لبناء الإطار النظري الذي فتح آفاقًا جديدةً لدراسة ذهنية الإنسان. وعرض فيها مقاربات دوميزيل التي مزجتْ بين الفيلولوجيا التاريخية وعلم الاجتماع الديني إلى أن استطاع اكتشاف بنية الأيديولوجيا المؤسسة للمجتمعات الهندو-أوروبية عبر تشكّل ثلاث وظائف أساسية: وظيفة السيادة والتشريع (طبقة الحكام، الملك، الكاهن الساحر)؛ ووظيفة الحرب والقوة (طبقة المحاربين)؛ ووظيفة الإنتاج (المزارعون، الحرفيون، التجار). بينما أوضح الحبيب استاتي زين الدين في دراسته "الممارسة الاحتجاجية بالمغرب: دينامية الصراع والتحول" بأن الاحتجاج شكّل في المغرب سلطة لها القدرة على الضغط والمساءلة؛ متعددة في مظاهرها، ولكنها موحَّدة من حيث موضوعها، وهو الاحتجاج على جميع أشكال الإقصاء الاجتماعي؛ إذ دافعت الحركة عن حق المشاركة بالفضاء العام للتعبير عن فشل السياسات الاجتماعية الحكومية في تحقيق التنمية المنشودة. كما أثبتت قدرتها على إحداث نوع من التغيير الدستوري والسياسي بعد موجة الحَراك العربي.
تضمن العدد أيضًا في قسم المناقشات ورقة لمحمد الإدريسي بعنوان "المسألة السوسيولوجية" و"القضايا الاجتماعية والسياسية" عند بول باسكون: مدخل لقراءة في فكر عالِم اجتماع مؤسِّس وملتزم". واختتم العدد بقسم لمراجعات الكتب، ناقش فيه ساري حنفي كتاب "السلفية والسلفيون الجدد: من أفغانستان إلى لبنان" للمؤلف سعود المولى. وراجع رشيد جرموني كتاب " التصوف والسياسة الدينية بالمغرب" لمجموعة من المؤلفين.