صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب يوميات عدنان أبو عودة، ضمن سلسلة مذكرات وشهادات، وهو من إعداد معين الطاهر (1150 صفحة من الحجم المتوسط، موثقًا ومفهرسًا)، مشتملًا على مقدمة وستة عشر فصلًا ونص للحوار الذي أجراه معين الطاهر ومعن البياري مع صاحبها، وملحق للوثائق والصور.
يُقدّم الحوار الذي يفتتح الكتاب تعريفًا بعدنان أبو عودة؛ توجهاته الفكرية وانتماءاته السياسية والمناصب التي شغلها خلال تلك الفترة. كما أنّه يقدّم توضيحًا لبعض القضايا التي مرّت بها اليوميات من دون تفصيلها.
تؤرخ اليوميات الوضع السياسي في الأردن وعلاقاته الداخلية والخارجية خلال فترة تدوينها، ناقلة صورة مغايرة لتفصيلات الحوادث التي مرّت بها المنطقة في ذلك الوقت، وانعكاساتها على الداخل الأردني، لتعيد طرحها من وجهة نظر السياسي التي ربما لا يتفق القارئ مع بعضها بالضرورة، غير أنّها، بلا أدنى شك، تضيف أجزاءً تُكمّل صورة المشهد وتتقاطع معه.
تتطرق اليوميات إلى العديد من المحطات المهمة، لعلّ من أبرزها حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، والمداولات التي جرت في أثنائها وقبلها وبعدها، وما ترتب عليها من نتائج، والدور الذي أدّته كل واحدة من دول الطوق فيها. ومؤتمر الرباط عام 1974، والتوترات التي رافقت مقرراته، وعلى رأسها إعلان منظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني، وإعفاء الأردن من مسؤولياته تجاه الضفة الغربية، وما استجد بعد ذلك من أوضاع كان من أهمها إجراء التعديلات الدستورية والداخلية اللازمة لتتوافق مع تلك المقررات. كما أنّها تنقل لنا صورة المشهد على الصعيد الإقليمي أيضًا، فهي تتناول الحرب العراقية - الإيرانية؛ أسبابها وتداعياتها، وتباين مواقف الدول العربية منها. وكذلك مفاوضات السلام الإسرائيلية - العربية، وجولات كيسنجر في المنطقة، وما أجراه خلالها من لقاءات، وما طرحه فيها من مقترحات، وأثر ذلك كله في القضية الفلسطينية.
لا تخلو يوميات أبو عودة من آراء وأفكار وملاحظات وتحليلات سياسية يقدمها صاحبها معلقًا على مجريات الحوادث، ومواقف الأطراف الداخلية والخارجية منها؛ ما يعكس موقفه الشخصي، ودوره الذي أداه فيها، كما هو واضح في التصوّر الذي كتبه لتطوير الاتحاد الوطني، ومذكرته بخصوص الإفراج عن المعتقلين لأسباب تتعلق بالمنظمات الفدائية، والتحليلات أو الملاحظات التي قدّمها على خلفية القرارات المتمخضة عن المؤتمرات أو اللقاءات أو الاجتماعات مع شخصيات قيادية عربية وأجنبية، وحديثه عن فكرته حول التسوية السلمية لقضية الشرق الأوسط. كما أنّها تعرض، في سياق نقلها الحدث اليومي، صورة لآليات تأليف الحكومات المتعاقبة خلال الفترة التي شملتها، ملقية الضوء على مدى تأثر تلك الحكومات، وتأثيرها في الأوضاع الجارية.
ختامًا، تتمثل أهمية هذه اليوميات في أنّها دُوّنت تزامنًا مع الحوادث والوقائع من خلال مشاركة صاحبها فيها، لا من خلال العودة إليها لاحقًا بحيث تختلط غالبًا الحقائق بالمشاعر والمواقف المستجدة وربما المفارقات التاريخية، تبعًا لمشكلات الذاكرة المعروفة، وأثرها في التدوين والتقويم والقراءة؛ فهي وثيقة تاريخية بنت مرحلتها، تقدّم بعض الإجابات عن مسائل وقضايا لا نزال نعيش تبعاتها حتى اليوم، وتثير كثيرًا من التساؤلات والاستفسارات حولها. وهي تعبّر عن رؤية كاتبها خلال فترة تدوينها، والتي قد تتفق أو تختلف مع آرائه الحالية. كما أنّها قابلة، كغيرها من الكتابات، للتدقيق والنقد والمناقشة.