صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب مسارات صعبة: الحركة الوطنية الفلسطينية في سيرة صلاح خلف (أبو إياد) 1933-1971، ضمن سلسلة إصدارات، من تأليف معين الطاهر ومنى عوض الله، ويقع في 481 صفحة، شاملًا تمهيدًا ومقدّمة وسبعة فصول وملاحق، إضافة إلى قائمة صور ومراجع وفهرس عام.
يتناول الكتاب السيرة الحافلة لصلاح خلف، المعروف باسم أبو إياد، منذ ميلاده حتى عام 1971، في تداخلها وتشابكها مع مسارات الحركة الوطنية الفلسطينية وتحوّلاتها العميقة. ويتتبّع النص جذور نشأته في يافا وغزة، ويتوقّف مطولًا عند انخراطه المبكر في العمل الوطني والطلابي، ودوره المؤسّس في إطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" وصوغ نهجَيها الثوري والسياسي، حيث جمع بين الرؤية الواقعية الصلبة والتمسك بالكفاح المسلح سبيلًا إلى تحقيق الدولة الديمقراطية المنشودة. وقد عُرف أبو إياد في حياته السياسية بـ "رجل المهمات السرية" و"كاتم أسرار منظمة التحرير"، لكنه كان يقدّم نفسه بأنّه رجل واقعيّ صادق مع ذاته ومع قضيته. ويستند الكتاب في مادته إلى أرشيفٍ ضخمٍ من الوثائق والتسجيلات التي تركها الرجل وراءه، ليضيء بها على شخصيته ومسيرته، ويفتح بذلك الباب واسعًا أمام إعادة قراءة تجربة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
ويبيّن أنّ صلاح خلف لم يترك مذكرات مكتوبة بخط يده، بل سجّل في رمضان 1979 بصوته رواية امتدت أربعة وأربعين عامًا من حياته، متنقلةً بين يافا وغزة ومصر والكويت وسورية والأردن ولبنان، منذ خروجه من يافا حتى استقراره في المنافي. وقد جمع أرشيفه المحفوظ في "ذاكرة فلسطين" 325 تسجيلًا متنوعًا، منها سبعة تسجيلات عائلية خاصة، إلى جانب ما يزيد على 3500 وثيقة كتبها بيده، من رسائل وتقارير ومخططات عمليات ومقالات ومحاضر اجتماعات، فضلًا عن عشرات التسجيلات المرئية. غير أنّ جزءًا من هذا الأرشيف ضاع بعد اغتياله في تونس وظل مصيره مجهولًا حتى اليوم.
كان أبو إياد يصرّح بأنه لن يكتب مذكّراته وهو في خضم العمل السياسي، مؤكدًّ أنه سيؤجل ذلك إلى ما بعد اعتزاله، لذلك لم يترك نصًّا ذاتيًّا متكاملًا، بل وصلت روايته إلينا عبر تلك التسجيلات، ومن خلال اللقاءات الطويلة التي أجراها معه الصحافي الفرنسي إريك رولو، والتي نُشرت لاحقًا في كتاب فلسطيني بلا هوية، وهو كتاب وصفه أبو إياد بأنه "تحقيق صحافي طويل" أكثر منه مذكّرات شخصية.
ليس الكتاب مذكرات بالمعنى المباشر، بل هو عمل بحثي وعلمي يستند إلى التسجيلات والوثائق وما احتفظت به عائلته، ومدعّم بمقابلات ومراجع متنوعة. وقد اعتمد المؤلفان في بنائه على سبعة تسجيلات عائلية رئيسة وعلى تسجيلات رولو، مع الاستعانة جزئيًّا بكتاب فلسطيني بلا هوية لتغطية بعض النواقص، ثم التوسع في مراجعة مختلف الأدبيات والمصادر التاريخية. وهكذا تبلورت صورة مكثفة لمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، من خلال سيرة صلاح خلف، الذي ظل محور الرواية وجوهرها، ورمزًا بارزًا من رموز الثورة الفلسطينية في أصعب مراحلها وأكثرها حسمًا.