تمكِّن المعطيات الواردة في هذا البحث من تحديد الملامح الكبرى لصورة المؤرخ وعلم التاريخ في البلاد التونسية خلال الفترة العثمانية. ويتضح أن هذه المعطيات تداخلت فيها الجوانب الفكرية والمعرفية والمنهجية. فكريًا، أصبح المؤرخ منخرطًا في مروع مجتمعي قوامه بناء الدولة المجالية في كل تجلياتها. لذلك فهو يدافع بكل ما أُوتِيَ من قوة عن الدولة ورموزها. وهو في ذلك يخلق المعنى الذي يجعله مندمجًا مع الطلب الاجتماعي. بهذه الصورة يبرز بمنزلة المثقف العضوي. فنفهم الحظوة التي لقيها لدى النخب السياسية ولدى الفئة العالمة الواسعة على حد سواء. كان المؤرخ خال هذه الفترة عصاميًا في تجربته لكتابة التاريخ، لم يشرف على تكوينه أي أحد، ولا توجد مؤسسة علمية تحتضنه وتحتضن علمه. ومع ذلك صاغ معرفة جديدة تقطع في جوانب عديدة مع التجارب التاريخية السابقة. بذلك يعرف علم التاريخ في البلاد التونسية نقلة نوعية في مواضيعه وفي مناهجه. فبعد أن كان يحشر ضمن "علم الأدب"، أصبح له وجود مستقل بذاته. وتحصل في الوقت نفسه "مَهنَنَة" المؤرخ الذي أصبح يتميَّز مستقبلً بعلم خاص به.