صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب خليل فضل عثمان كركوك: جدل الأرقام والسرديات - مأزق الانتخابات في سياق تحولات ديموغرافية: حالة انتخابات مجلس المحافظة، ويسعى فيه إلى بناء الصورة التاريخية لعمليات التعريب التي شهدتها كركوك في ظل النظام العراقي السابق، وإلى رسم صورة الارتفاع الكبير في الكثافة السكانية الكردية فيها منذ عام 2003.
كما يتناول عثمان تفاقم أزمة كركوك في ظل تعثر محاولات تطبيق حلول دستورية وقانونية صيغت لحل مشكلة المناطق المتنازع عليها، ويراجع السجلات الانتخابية محللًا بعض نتائج الاقتراع في كركوك، والبيانات المتعلقة بتحولات البنية السكانية فيها، مبينًا عمق المأزق الانتخابي في المحافظة.
تحولات الهوية
يقع هذا الكتاب )196 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) في ستة فصول وخاتمة. في الفصل الأول، كركوك وتحولات الدولة والهوية في العراق، يروي عثمان قصة كركوك في مهب تحولات الدولة والهوية في العراق، وهي تقدم دليلًا جديدًا على أن تضخم الهويات الفرعية في العراق كان نتاجًا لفشل الدولة الوطنية في إنجاز الإدماج الاجتماعي وتبلور هوية وطنية جامعة عمادها المواطنة.
تنقلت الدولة العراقية في مسار تطورها بين ليبرالية سياسية برلمانية شوهاء، وسياسات الأيديولوجيا، واستبداد توتاليتاري، وديمقراطية توافقية عرجاء. وهي في كل تجلياتها هذه، ببنيتها وأجهزتها وسياساتها، عجزت عن اختراق الوجدان السياسي للمجتمع وإعلاء شأن الهوية الوطنية، بل دفعته بطرائق متعددة إلى مهاوي الانتماءات ما قبل الوطنية. فشلت الدولة العراقية، في كل تجلياتها، في تبديد مخاوف الهويات الفرعية، بل خلقت من المخاوف ما دفع بالأفراد إلى اللجوء إلى حصن هذه الهويات، طلبًا للحماية. وكانت كركوك بتركيبتها المسكونة بهواجس التنوع عنوانًا صارخًا لهذا الفشل.
تفاؤل مفرط
في الفصل الثاني، كركوك في متاهات التغيير الديموغرافي، يقول المؤلف إن التغيير الديموغرافي في كركوك فعل سياسي؛ "فهو، على عكس موجات الهجرة، ليس ناتجًا عرضيًا من عوامل سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو كوارث طبيعية أو غير ذلك من أسباب، وإنما هو نتاج سياسة مرسومة بقصد إعادة تشكيل الخريطة السكانية للمحافظة. ومن هنا، لا يمكن فصل التغيير الديموغرافي في كركوك عن مشاريع بناء الدولة الحديثة في العراق وأزماتها".
يتناول عثمان في الفصل الثالث، صعود لجنة المادة (140) وهبوطها، مسألة المادة 140 في الدستور العراقي، الخاصة بمسألة كركوك والمناطق المتنازع عليها. يقول: "كان الإفراط في التفاؤل على نحو غير واقعي وعدم الدقة في الصياغة اللغوية مشكلتين متأصلتين في المادة (140). وبلغ جموح التفاؤل المجافي للواقع أقصاه في إصرار الكرد على وضع سقف زمني لتطبيقها. ومع أنه من الواضح أن هذا الإصرار كان نابعًا من رغبة في المسارعة إلى انتهاز اللحظة التاريخية المواتية في السنوات الأولى التي تلت إطاحة النظام السابق قبل أن تتغير الأوضاع على نحو معاكس، فإن المدة الزمنية التي حُددَت لتنفيذ المادة لم تكن كافية على الإطلاق لحل القضايا والملفات التي تَوَخت حلها في إطار مسار قانوني ودستوري معقد".
ظالم ومظلوم
في الفصل الرابع، اتجاهات النمو السكاني في كركوك، يلاحظ المؤلف أن ثمة خصوصية في كركوك تجعل من اتجاهات النمو السكاني مثار جدل بشأن من يحق له الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس محافظتها.
من حيث المبدأ، حق الاقتراع جزء أصيل من منظومة الحقوق الأساسية للمواطنة في الدولة الحديثة، حق يُسهِم المواطن بممارسته عبر انتخابات حرة نزيهة في التعبير عن إرادته، لكن الحديث عن حق الاقتراع في كركوك يتسم بتعقيدات خاصة، بسبب تداخله مع الخلافات الدائرة على خطوط تماس عرقية حول ما شهدته كركوك خلال العقود الأخيرة من تحولات ديموغرافية.
في سياق تعقب مسارات التغيير الديموغرافي في كركوك، يفصُل عثمان في الفصل الخامس، كركوك في سرديات المظلومية والظالِمِية العراقية، بين ما هو من نصاب المعرفة التاريخية وبين ما هو من سرديات المظلومية، "ولئن كان تقصّي وقائع التاريخ وأحداثه مهمًا لأغراض الأمانة التاريخية، فإن استقصاء سرديات المظلومية لا يقل أهمية لأغراض فهم رؤى مختلف المكونات الكركوكية المتباينة عن أزمة كركوك، بما في ذلك وضعها النهائي، والمشاريع التي تقترحها القوى السياسية الممثِلة لمختلف المكونات لحل الأزمة، أو جوانب منها، ومواقفها من كيفية إجراء انتخابات لاختيار أعضاء مجلس المحافظة".
جدليات وتوصيات
في الفصل السادس والأخير، جدليات الانتخابات وحق الاقتراع، يتناول المؤلف فتنة الأوزان العددية في كركوك، التي تزداد ثقلًا في المواسم الانتخابية، فالجدل بشأن التركيبة الديموغرافية في كركوك انسحب خصامًا حول تحقيق تمثيل مُنصِف للمكونات في مجلس المحافظة، وتحديث سجلات الناخبين في المحافظة، وتحديد مَنْ يحق له أن يدلي بصوته في أي انتخابات أو استفتاء.
فالنزاع حول حق الاقتراع في كركوك يغدو شائكًا أكثر لأن من المنطقي افتراض أن قوائم الناخبين نفسها المُستَخدَمَة في الانتخابات ستُعتَمَد في الاستفتاء المثير للجدل على الوضع النهائي لكركوك. كما يتناول المؤلف طفرات قوائم الناخبين في كركوك بعد عام 2003، والشبهات حول الاقتراع في المحافظة.
يقدم عثمان في فصل خاتمة وتوصيات: بحثًا عن مَخرج من النفق المظلم، باقة من الحلول لمسألة الانتخابات في كركوك، مبديًا علمه أن أي توصيات فنية لحلّ أي مشكل سياسي مُعضِل تبقى حبرًا على ورق من دون توافر إرادة سياسية جادة لتطبيقها، ولتقديم التنازلات المطلوبة للخروج من النفق المظلم، وإدراكه أيضًا ما يعانيه المشهد السياسي في العراق من شح في هذه الإرادة السياسية.