اضطلعت مدينة سبتة، بفضل موقعها الجيوسراتيجي المهم على مضيق جبل طارق، بدور محوري في تاريخ المغرب خلال العصر الوسيط، وفي تاريخ العلاقات المغربية - الإيبيرية، وتاريخ الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط؛ إذ كانت المدينة بوابة المغرب نحو العالم الخارجي، ومعبرًا من معابر التاريخ الكبرى بين أوروبا وإفريقية. وقد سمح لها موقعها الجغرافي المتميز بأن تصبح أحد المراكز الرئيسة في التجارة المتوسطية، والمنفذ الأساسي للتجارة الخارجية المغربية على الواجهة المتوسطية. تمتعت المدينة خلال فترة طويلة باستقلال ذاتي، ما يؤشر إلى أهميتها بوصفها إحدى النقط الرئيسة لمنطقة مضيق جبل طارق، في فترة كانت الهيمنة على هذا الأخير رهانا تتنافس من أجلها القوى المسيحية (قشتالة، وأرغون، وجنوة، والبرتغال)، والقوى الإسلامية (المغربية – النصرية). وفي صبيحة يوم الأربعاء، 14 جمادى الآخرة 818 هـ - 21 آب/ أغسطس 1415م، غزت البرتغال مدينة سبتة، مستغلة ما كان يعانيه المغرب آنذاك من تفكك واضطراب وأزمات في أواخر عصر بني مرين. ولم يكن ذلك الغزو حدثًا بسيطا، بل إنه مثل منعرجًا في تاريخ المغرب، نجم عنه نتائج سياسية واقتصادية، ما نزال نعاني انعكاساتها حتى الوقت الراهن.
تسعى هذه الدراسة للوقوف على أهمية المدينة اسراتيجيًا وتجاريًا من خلال فحص علاقاتها التجارية ببعض قوى الحوض الغربي للمتوسط، وكيف أضحت المدينة عرضة للأطماع الخارجية التي تُوّجت باستيلاء البرتغاليين عليها. ثم تتعرض لدوافع الغزو البرتغالي للمدينة، وانعكاسات ذلك على التطور الحضاري للمغرب.