صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثاني والثلاثون (ربيع 2020) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية. وتضمّن ملفًا خاصًا بعنوان "الفردانية الاجتماعية في سياق الثورة التونسية"، عالج فيه السياقات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية التي صاحبت بروز حركات اجتماعية ونخبوية تطالب بتوسيع مجال الحقوق الفردية بعد الثورة التونسية. وقد حللت بحوث هذا العدد أيضًا الجدل الذي صاحب صدور تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة في الفترة 2017-2018 بما فيها المنطلقات السوسيولوجية التي اعتمد عليها. كما تضمن العدد ترجمةً لمقالة مرجعية حول الذكورية المهيمنة، إضافة إلى مجموعة من المناقشات ومراجعات الكتب المهمة.
تطور الحقوق الفردية في تونس
تصدّرت دراسات هذا العدد ورقة لسلوى الحمروني، عضو لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس، بعنوان "الحريات الفردية والمساواة في تونس بين عهد الأمان ونصوص حقوق الإنسان" تتبعت فيها المسار التشريعي الذي عرفته تونس في مجال الحقوق الفردية منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما أبرزت الأسس التاريخية السياسية والفقهية المقاصدية التي بُني عليها المشروع الذي أعدّته لجنة الحريات الفردية والمساواة في الفترة 2017-2018.
أما أستاذ التعليم العالي في جامعة تونس المنار، عماد المليتي، فقد ساهم بورقة بعنوان "التحولات الاجتماعية والحريات الفردية لدى الشباب في تونس: أي علاقة؟" عالج فيها مظاهر الاستقلالية في تونس عن الجماعة والعائلة، وتطور العلاقة بالدين في اتجاه الفردنة، وتنامي السيادة الفردية على الجسد، وخصوصًا في ما يتعلق بالحياة الجنسية، ليستنتج من خلال استقراء البحوث الميدانية ذات الصلة أنّ التوق إلى الاستقلالية والنجاح الفردي أصبح ظاهرة عامة لدى الشباب في المدن، كما في الأرياف.
وفي ورقته التي جاءت بعنوان "مسار الفردنة في تونس بين الديناميات المجتمعية ومشروع النخبة الحداثوية"، عالج أستاذ التعليم العالي في كلية العلوم الاجتماعية بتونس، عبد اللطيف الهرماسي، الجدل السياسي والأيديولوجي الذي صاحب حراك توسيع مجال الحقوق والحريات في تونس. ومن خلال دراسة المنطلقات السوسيولوجية التي اعتمدت عليها لجنة الحريات والمساواة، اعتبر الهرماسي أن تقرير اللجنة اعتمد على رؤية حداثوية فقيرة "لا مكان فيها للدين، ولا للتقاليد والموروث الثقافي الذي يتم نبذه بكلّيته، ولا حتى لاتجاهات التركيبة الثقافية الحالية للمجتمع التونسي".
وفي ورقة مشتركة من تأليف عالم الاجتماع ساري حنفي، والباحث في العلوم الاجتماعية عزام طعمة، بعنوان "ما وراء الديانية والعلمانية: نقاش الميراث والمساواة بين الجنسين في تونس وتشكل التفكير غير الاستبدادي"، استعرض الباحثان النقاش الجاري المحتد في تونس حول المساواة في الميراث بين الذكور والإناث، والحجج التي استعملها مؤيدو مشروع القانون الجديد ومعارضوه عام 2018. وتوصل الباحثان إلى أن النقاش الذي دار في أوساط النخب التونسية المختلفة قد استخدم لغة مشتركة عامة، سمحت بتقليص الميول السلطوية الإقصائية، والحد من الاستقطاب التاريخي من خلال الحوار في المجال العام.
وفي آخر دراسات هذا الملف، ميّزت أستاذة علم الاجتماع في معهد الدوحة للدراسات العليا، روضة القدري، بين مفاهيم الفرد والفردانية والتفريد. وفي ورقتها بعنوان "بروز الفرد في تونس: الخصوصيات والإشكالات"، قدّمت القدري أمثلة عن سيرورة التفرّد المخصوصة التي يشهدها المجتمع التونسي، في ارتباطٍ بسيرورة التحديث وبناء الفرد – المواطن، وسجالات الهوية، والصراعات حول نموذج مجتمعي ما بعد ثورة "14 جانفي 2011".
واختتم الملف بتعقيبٍ نقدي لرئيس تحرير دورية عمران، المولدي الأحمر، حول البحوث التي قدّمت في هذا الملف، بعنوان "أسئلة الفردانية في المجتمعات العربية: منعطفات معرفية واجتماعية وتاريخية متشعبة ولايقينية".
أما في باب مناقشات، فقدّم أستاذ علم الاجتماع التونسي، عبد الحميد العبيدي، ورقة نقاشية بعنوان "قراءة نقدية في الأسس الأيديولوجية للفردانية وراهنيتها في المجتمعات العربية"، تتبّع فيها تطور مفهوم الفردانية في سياقه الغربي.
الذكورية المهيمنة
ترجم ثائر ديب لهذا العدد مقالة الباحثين ر. و. كونيل وجيمس و. ميسِرشميت بعنوان "الذكورية المهيمنة: إعادةُ نظرٍ في المفهوم". وتعتبر هذه المقالة مرجعية في تتبع التطور النظري والتاريخي لمفهوم الذكورية المهيمنة في دراسات الجندر، وفي العديد من الحقول الأكاديمية، حيث رسم الباحثان خريطة للطرائق التي طُبِّق بها المفهوم حين اتّسع البحث في الرجال والذكورة.
واشتمل باب "مراجعات الكتب" على ثلاث مراجعات، تناولت الأولى كتاب "الشباب السلفي التونسي: دراسة سوسيولوجية بمدينة سيدي علي بن عون" لماجد قروي، أعدتها الباحثة في المركز العربي، صوفية حنازلة. أما الثانية فكانت لكتاب "الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية" للحبيب استاتي زين الدين، أعدها أستاذ التعليم العالي في جامعة القاضي عياض المغربية، محمد بنطلحة. والثالثة لكتاب "الرغبة اللامتناهية في النمو" لدانيال كوهين، أعدها أستاذ علم الاقتصاد في جامعة العربي التبسي في الجزائر، عثمان عثمانية.
وقد عرضت عمران في هذا العدد على غلافها وداخل المجلة لوحات الفنان الليبي رضوان أبوشويشة التي تحاكي انفعالات الإنسان الجوانية في علاقاته الاجتماعية بتجسيد الحواس الصامتة.