تضمّن العدد الثالث والأربعون التاسع والثلاثون من دورية "سياسات عربية" التي تصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا خمس دراسات علمية، ناقشت موضوعات المحور الجيوبوليتيكي العربي - الإسلامي، وتحولات صنع القرار الأميركي بشأن القدس، والموقف الأوروبي من "صفقة القرن"، والحوكمة الرشيدة في تونس ومصر، والدبلوماسية الموازية كدراسة مترجمة، إضافة إلى قراءة في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في السودان، واتجاهات الرأي العام نحو احتجاجات لبنان، ومراجعة تقرير صندوق النقد الدولي عن الاندماج المغاربي.
تناول كاظم هاشم نعمة في دراسة له عنوانها "المحور الجيوبوليتيكي العربي - الإسلامي وعملية هيكلة النظام الدولي: نحو مقاربة جديدة" الأهمية الجيوبوليتيكية للدول العربية والإسلامية في النظام الدولي. وقد جادلت هذه الدراسة بأن الأهمية الجيوبوليتيكية قامت بدور مهمّ في عملية هيكلة النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وأن الدول العربية والإسلامية، بوصفها تحظى بموقع جغرافي مهم على اليابسة يمتد ما بين المحيط الأطلسي وآسيا - المحيط الهادي، تحظى بفرصة مهمة من حيث عملية إعادة الهيكلة، في نوعها وتفاعلات ديناميتها، وانعكاساتها على التنافس والصراعات بين القوى الكبرى في النظام الدولي، وكذلك على إدامة الهيمنة الأميركية، أو إرجاء انحسارها الحتمي، أو إبطائه، وتلطيف عواقب الانحسار، وتقليل تكلفته، ولا سيما أن الذي يسيطر على محور اليابسة يتحكم في المحاور الأخرى، والذي يتحكم في المحاور الأخرى يسيطر على العالم.
وركز أحمد جميل عزم في دراسة له عنوانها "تحوّلات عملية صنع القرار الأميركي بشأن القدس" على التحوّلات الجارية في العقد الأخير، وعلى تركيبة جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة الأميركية واتجاهاتها. كما ركز عزم على دور الإنجيليين واليهود الأميركيين وسياسات الحزبين الديمقراطي والجمهوري واللوبي الإسرائيلي في عملية صنع القرار الأميركي تجاه القدس. وجادل بأهمية جميع هذه الفواعل لفهم الكيفية التي تُصاغ بها السياسة الأميركية تجاه القدس. استنتج عزم في دراسته أن جماعات الضغط الإسرائيلية التقليدية تركز على نقطتين مشتركتين تصنعان السياسة الأميركية الخاصة إزاء إسرائيل؛ الأولى، التقارب الديني والثقافي بين البلدين، ويقود هذا الأمر إلى تقارب في موضوعات مثل القدس ومكانتها بالنسبة إلى اليهود وإسرائيل، أما الثانية فهي أنّ إسرائيل حليف أساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وبينهما مصالح استراتيجية وحلف حيوي.
وكشف أديب زيادة في دراسة له عنوانها "الموقف الأوروبي من القدس في ضوء’صفقة القرن‘ الأميركية" عن إمكانية تأثر الاتحاد الأوروبي سلبيًا بقوة الدفع الأميركية لمبادرتها المتعلقة بصفقة القرن، ومنها الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. واهتم زيادة في دراسته ببحث طبيعة التغير الذي يمكن أن يطرأ على الموقف الأوروبي من القدس في ظل المعطيات الجديدة المرتبطة بـصفقة القرن، ولا سيما في ظل ما عُرف من علاقة لصيقة تربط الاتحاد بالولايات المتحدة، ومن ثمّ، تمكين صانع القرار ذي العلاقة من البناء على هذا الموقف لتحديد الوجهة المقبلة في ظل ما يمكن أن يستجد. وتوقّع زيادة أن موقف الاتحاد الأوروبي من "صفقة القرن" لن يتغير في المدى المنظور تبعًا للآليات القانونية المعتمدة في صناعة قرار السياسة الخارجية التي تستدعي الإجماع شرطًا. ورجح أيضًا أنه على صعيد الدول منفردة، فمن المتوقع مع التقدم في تنفيذ صفقة القرن، ومع صعود اليمين الشعبوي المتطرف، أن تحصل تصدعات في الموقف الأوروبي، وهو ما لا يملك الاتحاد، بوصفه مؤسسة، إزاءه أيّ سلطة.
أما محمد عرفة في دراسة له عنوانها "الحوكمة الرشيدة في مواجهة الفساد الإداري ما بعد الربيع العربي: حالتا تونس ومصر" فقد حاجّ بأن الفساد الإداري يعدّ عقبة مهمة أمام جودة الخدمات العامة التي تقدمها الدولة المركزية في مصر وتونس، وذلك على الرغم من القوانين والمدونات المختلفة التي تنص على التصدي للفساد والفاسدين. كما أوصى عرفة بضرورة مكافحة الفساد الإداري من خلال تفعيل اللامركزية الحكومية، والسماح التدريجي للهيئات التشريعية بمراجعة آليات عمل الإدارات العامة، وتبنّي فلسفات تنظيمية تحسِّن من عملية تقديم الخدمات العامة، فضلًا عن ضرورة تفعيل دور الحكومة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل تحسين عمليات الإدارة العامة بما يحقق الكفاءة في تقديم الخدمات ويوسِّع نطاق النمو الاقتصادي. يُذكر أن القسم الأول النظري من الدراسة نفسها نُشر في العدد 42 من سياسات عربية.
وفي باب ترجمة، ركز محمد كاظم الصالح وإيناس عبد السادة علي في ترجمة لهما عنوانها "المناحي السياسية للدبلوماسية الموازية: دروس من العالم المتقدم" لأندريه لوكور على ظاهرة "الدبلوماسية الموازية"، التي برزت على نحوٍ ملحوظ في الديمقراطيات الليبرالية الصناعية الغربية. وقد ناقشت الترجمة الخيارات المتاحة التي ينبغي إقرارها عند تطوير الدبلوماسية الموازية، بما في ذلك إيجاد هياكل جديدة واختيار شركاء جدد. وناقشت أيضًا مسألة العلاقات البينحكومية في سياق الدبلوماسية الموازية، وبصورة أكثر تحديدًا، موقف الحكومة المركزية عندما يكون لدى الوحدة الفرعية، التي تطور نشاطات تُدرج ضمن الدبلوماسية الموازية، تطلّعات قومية. كما ناقشت ما تُخلّفه الدبلوماسية الموازية من أثرٍ في الديمقراطية، والتداول الديمقراطي، وعمليات التمثيل.
أما في باب وثيقة، فأعدّ عبده موسى وسمية مادبو قراءة في "الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية: قراءة في التوافق السوداني"، ركزا فيها على معالم التوافق السياسي في السودان في ما بعد إطاحة حكم الرئيس السوداني الأسبق، عمر البشير. وتحاجّ القراءة بأنّ نجاح الانتقال القائم على التوافق مرهون بقدرة النخب على اجتياز عدد من التحديات التي تعترضها، وأهمها تحدي إحلال السلام، وتعزيز التحالف بين القوى المتوافقة، وعبور المأزق الاقتصادي، وإدارة التوقعات الجماهيرية. واستندت القراءة على تحليل وتفسير أبرز بنود الوثيقة والمؤسسات التي أنشأتها، وقدمت خطوطًا عامة لتقييم مدى قدرتها على خلق ضمانات تيسّر الانتقال الديمقراطي.
وفي باب المؤشر العربي، أعدت وحدة استطلاع الرأي العام في المركز العربي ورقة بعنوان "اتجاهات الرأي العام اللبناني نحو الاحتجاجات في لبنان"، هدفت إلى عرض اتجاهات الرأي العام اللبناني نحو الاحتجاجات في لبنان، من خلال بيانات المؤشر العربي. وقد ركزت الورقة على محورين أساسين لبناء صورة لتفاعل المجتمع اللبناني مع هذا الحدث المهم الذي لا يزال يتفاعل؛ ناقش المحور الأول اتجاهات الرأي العام نحو الاحتجاجات بصفة عامة والتعرف إلى مدى تأييد المواطنين أو معارضتهم لها وأسباب ذلك. أما المحور الثاني فناقش مدى تفاعل المواطنين مع هذه الاحتجاجات من خلال الانخراط الفعلي فيها أو من خلال تقديم العون والمساندة للمتظاهرين.
واشتمل العدد أيضًا على توثيق أهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية" في الفترة 1 كانون الثاني/ يناير - 29 شباط/ فبراير 2020.
وفي باب مراجعات وعروض كتب، أعدّ محمد حمشي "قراءة في تقرير صندوق النقد الدولي عن الاندماج المغاربي (2018)"، ركزت على تفكيك أسطورتين مؤسَّستين رئيستين يقوم عليهما منطق الفشل المزمن للاندماج المغاربي، وهما مركزية الخلاف الجزائري - المغربي، وتباين الأنظمة الحاكمة في دول المغرب العربي.