وجدت الدولة الحديثة في تركيا، منذ إعلان مصطفى كمال عن قيامها سنة 1923، نفسها أمام إشكالية بناء الوطن الجديد من حيث دعائم هويته الأساسية. وفي سبيل البحث عن الرابط بين البعد القومي والجغرافي، وظف التاريخ لخلق تلك اللحمة الضرورية بينهما. فبات مجالًا للتأويل ومنهلًا لنسج معالم أيديولوجية الدولة الوليدة. أحدث المشروع الكمالي قطيعة مع الماضي العثماني، وضمن هذا الإطار جاءت "أطروحة التاريخ التركي" لتعيد النظر في ماضي الترك بما يخدم أيديولوجية الدولة. ولتحقيق ذلك تم تأسيس "جمعية التاريخ التركي" التي جُنِّد لها جماعة من المؤرخين كانت مهمتهم الأساسية إثبات الصلة بين الأتراك والأناضول، وتأويل التاريخ في انسجام تام مع هدف الدولة لصهر المواطنين ضمن قالب هوياتي واحد. قدمت "أطروحة التاريخ التركي" رؤية شوفينية لتاريخ الترك. فهم صناع الحضارة حيثما حلّوا وارتحلوا، وأسلاف كل الشعوب القديمة، بل هم أقدم ساكنة الأناضول. لقد شكلت هذه الأطروحة إطارًا للتاريخ الرسمي للدولة الكمالية. وتجدر الإشارة إلى أن عملية إعادة كتابة التاريخ التركي تجاوزت التاريخ القديم لتشمل القريب منه، حيث حرص مصطفى كمال، عبر خطاب نُطُق الشهير، على فرض روايته لملابسات حرب التحرير. كما أن المراجعات التي شملت العلاقة بالماضي الإسلامي بعد وفاته سنة 1938 وظفت الإسلام للإعلاء من دور العرق التركي في تاريخ الإسلام.