لقد توخّى المؤرّخ بدايةً أن يفاصِل بين ما له علاقة بالأشخاص، وبين ما له تعلّق بالأحداث والوقائع. وانتقل من مجرّد حشد الأخبار، إلى النظر في العِلل المؤثّرة في نشأة الأمم وأفولها، في مراحل مبكّرة من القرن الرابع الهجري عند المسعودي، على غير ما هو مألوفٌ في البحث التاريخي. فصار التمييز واضحًا بين "الاعتبار" الإيماني والاعتبار "التجريبي" عند مسكويه، في تأسيسٍ مبتكرٍ لـ "الخبر التجربة". وعلى مستوى التصنيف، تمّ التنبيه على ما أُغفِل في منهج الطبري ممّا يدرك من التاريخ بـ "حججِ العقول وفِكرِ النفوس"، إلى جانب ما أبدعه المقدسي من النظر العقلي، وأدوات المناظرة والجدل في البحث التاريخي، والعناية بـ "المعيار القيمي" في تصوّر مسكويه، ليستوي المنهج التاريخي قائمًا مع علي بن محمد بن الأثير من خلال ثنائية "القِشر واللّب" التي سبقت تقابل "الظاهر والباطن" عند عبد الرحمن بن خلدون بقرون. أمّا على مستوى أدوات التحليل التاريخي، فقد تمّ التطرّق إلى أداتين: طبائع العمران عند ابن خلدون باعتبارها تسبق تمحيص الرّواة، والتحقيب الحضاري عند غريغوريوس بن العِبري الذي يتجاوز به "التمفصلات السلالية" المعتمدة في التاريخ، وهو تحقيب يرصد الانتقال من حضارة إلى أخرى، بحسب درجة قربها من "العلم"، أصّل لـ "حضارة الفكرة" و"حضارة الصنعة"، ثم "حضارة القوّة" نزولًا إلى "اللاحضارة". واختتمت الدراسة بأهمية النّأي عن التعميمات المتوارثة التي كرّست ريادة أعلامٍ بعينها، وأغفلت فضل آخرين يستحقّون الرّيادة والتميّز والإشادة.