تحاول هذه الدراسة أن تبرز علاقة الجدل بالبرهان في فلسفة ابن رشد؛ تلك العلاقة التي أسفرت عن قولين "أيديولوجيين" عند بعض الدارسين المعاصرين، ما يتطلب مراجعات نقدية لمفهوم الجدل ووظائفه. فالأول يظهر في دفاعه عن جدلية الخطاب الرشدي في مواجهة دعوى البرهان الفلسفي. أما الثاني فيتمثل في برهانية القول الرشدي على الضد من الجدل. هذان القولان لم يكونا على دراية بنصوص ابن رشد المتنوعة والمتضاربة من منطوق أنها نصوصٌ تدافع عن القولين معًا، أعني الجدل والبرهان في تشابكٍ وتفاعل متواصلَين. فالجدل عند ابن رشد ليس سلبيًا على وجه العموم كما يتضح في نقده للأشاعرة والمتكلمين، بل تتعدى فائدته إلى العلوم النظرية والسياسة المدنية، فضلًا عن دوره الرئيس في التشابك مع البرهان في الفلسفة الأولى.