تناقش هذه الدراسة الأسباب والعوامل التي أدت إلى دخول الدولة السورية في أسوأ أزمة وجودية منذ تأسيسها عام 1920، وكيف أن تخلّي الدولة التي حكمها حزب البعث عن وظيفتها الاقتصادية (الريعية - التوزيعية) تجاه قواعد دعمها الاجتماعية التقليدية (العمال والفلاحون والأرياف)، وتبنّيها سياسات اقتصادية ليبرالية، وتراجع هيمنتها الأيديولوجية، وتعويض ذلك بزيادة الاعتماد على ذراعها الأمنية، قد أفقدها آليات السيطرة التقليدية التي اعتمدتها في العلاقة مع المجتمع نحو نصف قرن. وقد أدى انسحاب الدولة من المجال الاقتصادي - الخدمي لصالح طبقة جديدة من رجال الأعمال، والضعف الذي اعترى أدوات الهيمنة الفكرية - الثقافية التقليدية نتيجة التطور التكنولوجي وتراجع دور التنشئة السياسية (في المدارس والجامعات)، وفقدان السيطرة على تدفق المعلومات، إلى تبنّي مقاربة أمنية في التعامل مع الأزمات. وفي الحصيلة، فقدَ النظام السيطرة على الوضع، وتلاشت شرعيته بوصفه سلطة حاكمة نتيجة العنف الذي مارسه في قمع الاحتجاج، ما أسهم في تحويل المعارضة السلمية إلى ثورة مسلحة، ثم إلى حرب وكالة إقليمية ودولية، مع تنامي دور العامل الخارجي في الأزمة.