الاستشراق هو فكر متعدّد الاختصاصات يعكس معرفة الغرب عن الشرق، ولذلك يرى إدوارد سعيد أنّ الشرق هو اختلاق غربي ليس بوصفه فضاءً جغرافيًّا، بل بوصفه ذهنية ثقافية مختلفة. وقد خاض هشام جعيط في الاستشراق باعتباره تيّارًا فكريًّا ظهر خلال القرون الوسطى وبلغ أوج تطوّره في القرن التاسع عشر. وفرّق بين مختلف التيّارات الفكرية للاستشراق، ثمّ فرّق بين الاستشراق الأوروبي اللاتيني، وخاصّة منه الفرنسي المتأثّر بالإرث الاستعماري، والفلسفة الألمانية التي تعاملت مع الإسام من دون أفكار سلبية مسبقة. فضلًًا عن التيّارات الفكرية للاستشراق، كان لجعيط اطّلاع واسع وعميق على كتابات المستشرقين الأكاديميين عن الإسام باعتماد مناهج البحث الحديثة منذ القرن التاسع عشر، وقد اعتمد على أغلبهم فيما كتبه عن تاريخ المسلمين المبكّر خاصّة، ولم يكتف بالإشارة إليهم أو الاقتباس منهم، وإنّّما ناقش كثيرًا من أفكارهم المتعلقة بالعديد من القضايا، فدعم بعضها وصوّب أفكارًا أخرى ورفض بعضها الآخر. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى دور جعيط المحوري في إطْلاع طلبة الجامعة التونسية على الاستشراق والمستشرقين من خلال دروسه وكتاباته.