تتناول هذه الدراسة الظاهرة التي تُعرف بـ "حروب الثقافة" في الولايات المتحدة، وهي تطور جذب الانتباه في التسعينيات من القرن الماضي، الذي بلغ ذروته في عصر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتقارنه بتطورات مماثلة شهدتها مصر في الفترة التي سبقت انقلاب يوليو 2013، وما يزال هذا التطور مستعرًا حتى اليوم. وتطرح هذه الظواهر تحديًا كبيرًا لنظريات "الثقافة السياسية" وفرضياتها حول تأثير الثقافات السائدة الكبير في السلوك السياسي. وتخلص إلى أن ديناميات هذا الصراع "الثقافي" تكشف أن دور الثقافة المحوري في رسم الهوية وإعطاء المعنى للفعل السياسي والاجتماعي، يتفاعل كذلك مع تعدد وتنوع إمكانيات استخدامها أداةً للصراع والانقسام. وبخلاف مقولة صامويل هنتنغتون إن اختلاف الثقافات يرسم حدود الصراع بين الأمم، فإن تحليل الحالات موضوع الدراسة هنا (وبصورة أوسع؛ طبيعة الصراعات في عالم اليوم)، يشير إلى أن الاختلافات داخل المجتمعات ذات الهوية الثقافية المشتركة، قد تخلق صراعات أعمق وأطول أمدًا. وقد يدفع الاستقطاب بأطراف هذا الصراع إلى التحالف مع جهات من خارج محيطها الثقافي، بل على تناقض أشد حدة معها. ويؤكد هذا أن الثقافات في تحول مستمر، وأن حالات التحول (والمقاومة التي تواجهها) قد تخلق صراعات حادة، كما حدث خلال "الحروب الدينية" بعد الإصلاح البروتستانتي في أوروبا، أو الحرب الأهلية الأميركية حول منع الرق. وبناءً عليه، فإن دور الثقافة لا يحدد مسبقًا المسار السياسي، وإنما يعتمد هذا على تآلف الفئات المتشاركة في هذه الثقافة ومخاوفها. ويمكن اعتبار الثقافة نفسها نتاجًا لحسم الصراعات والخلافات بين أطرافها، إما سلمًا وتأقلمًا وتعايشًا وإما عنفًا وانقسامًا (كالاستقلال الأميركي مثلًا).