يفكّر هذا البحث في ما بعد الثورات العربية من خلال ثلاث قضايا كبرى: المشروع الديمقراطي
والإصلاح الديني وقضية العلمانية. ويتمثّل هاجسه في تحصين المنجز الثوري الحاصل في الوطن
العربي الكبير، ودفعه لبلوغ الأفق الذي يطمح إليه: عتبة الديمقراطية. وهو، في مقاربته كيفيات
التحصين، لا يقصر اهتمامه على الانتقال السياسي )وما يقتضيه من تأسيس هيئات ودساتير
وعقود(، بل يتعدّاه إلى مسألة الإسناد الفكري للثورات الحاصلة، لاعتقاده أنّ نجاح الثورات
العربية في تخطّي المراحل الانتقالية وبلوغ عتبة الانتقال الديمقراطي، يتطلب ثورة ثقافية
تقوم على مغالبة التقاليد الفكرية الراسخة عبر إتمام معارك الإصلاح الديني في الفكر العربي،
والاستمرار في توطين قيم الحداثة وما يرتبط بها، في موضوع فصل الدين عن الدولة.
لا يخفي البحث خشيته، إذاً، من أنَّ فترة الانتقال السياسي التي تجري اليوم بعد الثورات العربية،
يمكن أن تترتب عنها، إذا لم يتم التحكّم في توجيهها وضبط ملامحها العامة في إطار توافقات آنية
وأخرى في المدى المتوسط، عودة الحال إلى ما كان عليه، لنصبح مرة أخرى أمام أنظمة لا تختلف
عن تلك التي أطاحتها.