لا توجد قضية تثير اليوم نقاشًا واسعًا في الفكر الإسلامي المعاصر مثل البحث في إمكانية إقامة دولة مدنية إسلامية، أو نظام ديمقراطي إسلامي يزاوج بين قيم الإسلام من عدالة ومساواة وحرية دينية ونزعة إنسانية وغيرها، وبين قيم الحداثة السياسية العالمية القائمة على الديمقراطية والعقلانية والعقد الاجتماعي والفردية والمواطَنة وغيرها. وإذا ما عدنا إلى الأسس التي يجري بناء عليها قبول الفكر الإسلامي المعاصر بنظام حكم ديمقراطي حداثي، لوجدنا أن هذا الفكر ينقسم إلى اتجاهين: يؤكد الاتجاه الأول التوفيق بين قيم الحداثة السياسية الغربية ومبادئ الإسلام، شرط إعطاء نظام الحكم خصوصية إسلامية. أما الاتجاه الثاني، فيعتقد أن الدين الإسلامي دين عالمي ذو طابع إنساني شامل ولا يضيره أن يُبحث داخله عمّ يتوافق مع المفهوم الحديث للدولة المدنية من دون أي حديث عن خصوصيات أو استثناءات تخشى على الإسلام من العولمة أو الغرب. هذا البحث هو مقاربة منهجية بين الاتجاهين المذكورين، لتحليل الأسس والمقولات التي ينطلق منها كل اتجاه، والإشكاليات التي تتفرع عن كل رؤية، والتحديات التي تواجهه، لينتهي إلى خاتمة تقيّم الاتجاهين السابقين، وتستشرف مستقبل «نظام الحكم في الإسلام » على وقع الحراك السياسي الكبير الذي نعيشه اليوم، بعد سبات طال أمده عقودًا طويلة.