يُعدّ البحث في موضوع المسألة الدستورية وبناء الدولة الديمقراطية، في أيّ مجتمع، على قدر كبير من الأهمية، أكان على مستوى المعرفة العلمية أم على مستوى المعرفة الإجرائية، وذلك باعتبار أن الدولة هي الكيان الدائم والمستقر القانوني لإرادة المجتمع، وأن الحكم الديمقراطي هو أسمى أساليب الحكم.
يؤدّي بناء الدولة على أسس الحكم الصالح إلى إرساء دعائم المجتمع الصالح، وترسيخ مقومات الفضيلة فيه؛ فالدولة، كما يقول هارولد لاسكي، «هي اللبِنة الأولى التي ترتكز عليها قبة الهيكل الاجتماعي. إنها تصوغ وتشكل ملايين الأنفس البشرية في مظهرهم وجوهرهم . » غير أنه ينبغي ألّ يُنظَر إلى الانتقال الديمقراطي من منظور أحادي بوصفه مجرد صوغ دستور ديمقراطي وإقامة مؤسسات فحسب، بل ينبغي التحرك وفق معادلة التوازن والتوافق بين التكوين السياسي والتكوين الاجتماعي؛ فالمكونات الاجتماعية في أي دولة هي التي تهيئ الظروف الموضوعية اللازمة لبناء الديمقراطية. ودراسة الديمقراطية بمفهومها السياسي تظل منقوصة إذا تمت بمعزل عن تحليل مضمونها الاجتماعي.
ما عادت الديمقراطية، في مفهومها، إجراءات سياسية أو حصيلة عددية لنتائج العملية الانتخابية، وإنما كمنظومة قيم وأنماط من التفكير؛ إذ إنها تُبنى على أسس ثقافة الحوار والتفاوض واحترام الآخر والاختلاف في وجهات النظر. ف «الديمقراطية المستدامة » ترتبط بالنسق الثقافي للمجتمع، وتعتمد على القيم الاجتماعية ومعتقدات المواطنين.