أنثروبولوجية الإنسان الخَطَّاء في فلسفة بول ريكور
يكمن التساؤل المركزي، بحسب ريكور، في البحث عن المكان البشري للشر ونقطة اتصاله بالواقع الإنساني. وقد أجاب ريكور عن هذا السؤال من خلال ملامح أنثربولوجيا فلسفية في بداية كتابه «فلسفة الإرادة »، حيث ركزت هذه الدراسة على موضوع «عدم العصمة ،» متمثلً في الهشاشة التكوينية للإنسان التي جعلت الشر ممكنًا. أتاحت إعادة قراءة مفهوم «عدم العصمة » الفرصة للبحث والتوسع في بنى الواقع البشري، فثنائية «الإرادي واللاإرادي » أُعِيدت إلى موضعها في جدلية أكثر اتساعًا تحكمها أفكار عدم التناسب، وثنائية «المتناهي وغير المتناهي »، وداخل هذه البنية الخاصة بالإنسان يمكن البحث عن الضعف والهشاشة اللذين يُكوِّنان الإنسان.
إن محاولة فهم إشكالية «الشر » من خلال الحرية يشكل تحديًا خطِرًا، بحسب ريكور، لكونه يعتبر أن الدخول إلى هذه الإشكالية من الباب الضيق أمر مشروع انطلاقًا من الافتراض أن «الشر إنساني، إنساني جدًا ». إن هذا الاختيار لا يهدف إلى فهم معنى الشر انطلاقًا من أصله الجذري، بل يهدف فقط إلى وصف المكان الذي يظهر فيه؛ فمن الممكن جدًا ألا يكون الإنسان هو الأصل الجذري للشر، لذلك تبقى الإمكانية المتاحة لنا مقاربة هذه الإشكالية انطلاقًا من كونها ظهرت وتنجلي داخل فضاء إنساني بَحت. ربما يبدو للبعض أن قرار مقاربة الشر من منظور الحرية قرار تعسفي، لكن الأمر ليس كذلك، فاعتراف الإنسان بالشر يبيّ كيف أنه يمثّل الطابع الإنساني الأكثر تجليًا، ذلك أنه يعترف بالشر، وبالتالي يعترف بوجود حرية اختيار الشر وبمسؤوليته عنه، وهذا الاعتراف هو الذي يربط الإنسان بالشر، إذ يعتبر ريكور أن هذه النقطة لا تمثل الهدف في حد ذاته بل هي المنطلق الأصلي لكل مقاربة للشر.