ينطلق البحث من فرضية أساسية تفيد بأن فشل منظومات التربية والتكوين في المنطقة العربية لا يعود إلى ضعف الإمكانات المالية واللوجستية والموارد البشرية اللازمة، بقدر ما يعود إلى غياب رؤية تنموية واضحة المعالم والآفاق، مع تأكيد أن الأزمة في العمق هي تخلُّف المؤسسات التربوية عن أداء مهماتها الريادية والحضارية.
ويسعى البحث لمناقشة هذه الفرضية من خلال تحليل ثلاثة عناصر أساسية: التشخيص والتداعيات والأسباب، مبيّنًا الطابع المركّب لأزمات المنظومات التربوية في البلاد العربية، وهي الأزمات التي نحددها في ثلاثة عناصر: أزمة انطلاق وأزمة اشتغال وأزمة مآل وسيرورة.
وقفنا عند أهم المظاهر التشخيصية لواقع المنظومات التربوية في الوطن العربي، كفشل هذه المنظومات في تحقيق تعميم للتمدرس في المستويات كافة، وكذا في عدم تكافؤ الفرص بين المتعلمين، هذا بالإضافة إلى ضعف المعارف الأساسية المقدَّمة إلى المتعلمين في مؤسسات التربية والتكوين، علاوة على هشاشة الحكامة التربوية في أغلب النماذج التربوية العربية، الأمر الذي يؤدي إلى مفارقتين أساسيتين هما: الهدر المالي وما يقابله من هدر بشري وعدم اقتدار عربي تنموي. في تجليات أزمة هذه المنظومات، وقفنا عند عنصرين أساسيين: أولهما وجود أزمة "قيميّة" كبيرة بدأت تنخر ليس فقط مختلف حوامل المؤسسات التربوية، بل العنصر البشري أيضًا، وثانيهما التصحر المعرفي.
رغبة في الوقوف عند بعض العوامل المفسرة لتردي واقع المنظومات التربوية العربية، أبرزنا جملة من هذه العوامل التي يمكن إجمالها في: العوامل السوسيو - سياسية والعوامل السوسيوثقافية والعوامل السوسيوتنموية.