ركز اتفاق الطائف ( 1989 ) الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان على الدور المهم الذي يمكن التربية أن تؤديه في تعزيز التماسك الاجتماعي. وبناء عليه، طُورت سياسة تربوية تبنّت التربية على المواطنة كأحد الهدفيين الرئيسيين لمناهج ما بعد اتفاق الطائف التي دخلت حيز التطبيق في سنة 1997
بعد مرور زهاء العقدين على تطبيق المناهج الجديدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى تساهم المدارس والنظام التربوي في تعزيز التماسك الاجتماعي في لبنان؟ وإزاء ازدياد التشاحن الطائفي في لبنان، وبشكل خاص منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وبلوغه الذروة في الاشتباكات المسلحة سنة ٢٠٠٨، تصبح الإجابة عن السؤال أعلاه أكثر إلحاحًا.
تعالج هذه الدراسة المقاربات المتّبعة حاليًا في المدارس الثانوية في لبنان لتعزيز التماسك الاجتماعي، وانعكاسات هذه الممارسات على توجهات التلامذة السياسية والطائفية والاجتماعية. وقد شملت عيّنة البحث ٢٤ ثانوية، عشر منها حكومية و ١٤خاصة، بما في ذلك ثانويات علمانية وأخرى دينية. كما ضمت بعض هذه المدارس تلامذة من طوائف مختلفة، بينما ضمت أغلبيتها تلامذة من طائفة واحدة. وأُجريت مقابلات مع الأساتذة والإدارات للوقوف على سياسات المدارس تجاه موضوع التماسك الاجتماعي. كما طُبّق استبيان لتوجهات التلامذة وآرائهم السياسية والاجتماعية، وذلك بغية معرفة أثر سياسات المدارس في آرائهم.
أظهرت نتائج الدراسة لدى أغلب المدارس مفهومًا ضيقًا للتماسك الاجتماعي انحصر في التعددية المذهبية والمواطنة، ولم يشمل مفهوم العدالة الاجتماعية. كما لاحظت الدراسة وجود خمس مقاربات للتماسك الاجتماعي تلازم بعضها مع توجهات طائفية لدى التلامذة.