يُعيد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشر كتاب تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب للكاتب محمد لطفي جمعة (448 صفحةً من القطع الكبير)، بعد مرور أكثر من خمسة وثمانين عامًا على نشره أولَ مرّة.
يستعرض المؤلف في هذا الكتاب تاريخ الفلسفة الإسلامية في المشرق والمغرب، من خلال سرد محطاتها الزمنية وانتقالها من مكان إلى آخر، في سياق التحولات السياسية التي كانت تطرأ على السلطات أو الجماعات؛ ذلك أنّ الفلسفة التي أخذت تتبلور مع مطلع العصر العباسي لا يمكن فصلها عن الفضاءات الثقافية، أو عن سيرة الفيلسوف، وتطلعاته، وبيئته، ورؤيته للحياة.
ويتحدث الكتاب الذي اشتغل به المؤلف، مدةً قاربت ثمانية عشر عامًا قضاها في البحث والقراءة والتوثيق، عن الفلاسفة وتاريخ التفلسف الإسلامي، من الكندي إلى ابن خلدون، حين شهد المشرق والمغرب آنذاك على امتداد أكثر من 500 سنة، حواراتٍ ونقاشاتٍ وسجالاتٍ أغنت الإنسانية باكتشافات واختراعات وعلوم كان لها موضعها الخاص في توريد المعرفة إلى أوروبا (قبل إعادة تصديرها إلى المشرق والمغرب)؛ ما ساهم في دفع التطور العالمي خطوات حاسمةً إلى الأمام. وقد بدأ المؤلف كتابه في الفترة التي كان يدرس فيها الحقوق في جامعة ليون الفرنسية عام 1909، لينتهيَ منه في القاهرة عام 1927.
ويرى المؤلف أنّ أهمية هذا الكتاب تنبع من أنه يسلط الضوء على فضل الفلاسفة المسلمين الذين لولاهم "لم يكن لفيلسوف أوروبي حديث أن يظهر في عالم الوجود"، ويرى أيضًا أنّ أولئك الفلاسفة هم الذين حفظوا الشعلة المقدسة بعد سقراط وأفلاطون وأرسطو، وزادوا عليها نورًا، وكانوا لها خير حافظين.
ويقول جمعة في الأسباب التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب: "للتدليل على فضل هؤلاء المتقدمين، ولتعيين مكانتهم على حقيقتها بين فلاسفة العالم، ليعلم المرتاب والمتردد والمقلد أنّ تلك المدنية العظيمة التي ظهرت في الوجود منذ أربعة عشر قرنًا، لم تكن مدنيةَ حربٍ وطعنٍ ومادةٍ، بل كانت مدنيةَ عقلٍ وعلمٍ وفكرٍ عميقٍ، وأنّ تلك المدنية التي نشأت في قلب الصحراء، ونشرت أجنحتها إلى أقاصي الصين شرقًا وأقاصي أوروبا وأفريقيا غربًا، لم تكن مدنية السيف والمدفع، بل كانت مدنية القلم والقرطاس والكتاب، وأنّ عقيدة هؤلاء الفلاسفة لم تمنعهم من الدرس والبحث والتنقيب عن الحقيقة".
وانطلاقًا من الكندي، وانتهاءً بابن خلدون يستعرض المؤلف سِيَر اثني عشر فيلسوفًا، يرى أنهم كانوا علامات فارقةً في تاريخ الفلسفة الإسلامية. وعند كل اسم من هذه الأسماء الاثني عشر، يذكر المؤلف اسم الفيلسوف، ونسبه، وتاريخ ولادته، ومكانها، وأبرز سمات العصر الذي ولد فيه، ويتحدث كذلك عن الفلاسفة الذين أثّروا فيه، وعن كيفية هذا التأثير. ويذكر، إضافةً إلى ذلك، أبرز الآثار العلمية التي تركها الفيلسوف وراءه، كما يذكر أبرز أفكاره، ويشرح جزءًا منها، ولا يفوته أن يذكر ما قيل عنه من معاصريه، أو ممن أتَوا بعده عربًا وعجمًا. فيذكر ما قيل فيه مدحًا، ويذكر كذلك أبرز النقد الذي وُجِّه إليه، ويرُد عليه أحيانًا، ويحدثنا عن الأثر الذي تركه الفيلسوف في الفلسفة العالمية.
أمَّا الفلاسفة الذين يذكرهم المؤلف في كتابه، فهم: الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن مسكويه، وابن الهيثم، وإخوان الصفا، والغزالي، في المشرق، وابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد، وابن عربي، وابن خلدون في المغرب.