يضمّ هذا العدد دراسة "دراسات التابع والتأريخ ما بعد الكولونيالي" لديبش تشاكرابارتي، ترجمها إلى العربية ثائر ديب، يتناول هذا البحث دراسات التابع التي طرحت، منذ انطلاقتها، أسئلة حول كتابة التاريخ، وجعلت الافتراق الجذري عن التقاليد التأريخية الماركسية الإنكليزية أمرًا لا مفرّ منه. وتتركّز المناقشة في هذا البحث على كتابات يمكن عدّها النصوص المؤسِّسة للمشروع، لتبيان أنَّ دراسات التابع لم تكن مجرد أخذٍ لطرائق البحث التاريخي التي سبق أن صاغتها تقاليد "التاريخ من أسفل" الماركسية. صحيح أنَّ دراسات التابع كانت في جانب منها سليلة هذا النَّسَب، لكنّ طبيعة الحداثة السياسية في الهند الكولونيالية جعلت من هذا المشروع في كتابة التاريخ أمرًا لا يقلّ عن نقد فرع التاريخ الأكاديمي، ذلك النقد المُلْزِم الذي لا مناص منه.
كما احتوى العدد دراسة مترجمة أخرى بعنوان "استعمالات البيوغرافيا" لجيوفاني ليفي، نقلها إلى العربية وقدّم لها محمد الطاهر المنصوري. تُركّز هذه الدراسة في الجوانب المعقَّدة غير المكتشفة من منظور البيوغرافيا، فالأسئلة الجوهرية التي أُثيرتْ في الأبحاث المنهجية في الإستوغرافية المعاصرة هي نفسها التي أُثيرت في البيوغرافيا (السيرة)، على سبيل المثال، في صلتها بسائر العلوم الاجتماعية والعلاقات بين المعايير والسلوك من جهة، والجماعات والأفراد من جهة أخرى. وضمّ العدد أيضًا محاضرة قدّمها المؤرّخ العربي هشام جعيّط بعنوان "التاريخ الإسلامي بين الرؤية الاستشراقية والرؤية من الداخل" على هامش ندوة مجلة "أسطور" للدراسات التاريخية. قدّم خلالها الدكتور عزمي بشارة المحاضرَ وأهمّ أعماله، ووصفة بكونه أحد أهم المؤرّخين العرب، فهو مفكّر ومؤرّخ في الآن ذاته، وحتّى أنثروبولوجي. وتناول هشام جعيّط في محاضرته دراسة السيرة النبوية، إذ قدّم عرضًا لأهم الإشكالات التي تناولها في الكتابة عن السيرة النبوية في مشروعه المنشور في ثلاثة أجزاء، والذي يُعدّ أهمّ كتبه.
ونقرأ في هذا العدد دراسة لسمير ايت اومغار،" مُلاحظات حول مُناخ المغرب القديم"، إذ تعيد هذه الدراسة النظر في خلاصات البحوث التاريخية المنجزة في موضوع "مناخ المغرب القديم"، مع رصد نقائصها المنهجية والوثائقية، وكشف خلفياتها الأيديولوجية (المُرتبطة بالمرحلة الاستعمارية أساسًا)، ونقد مصادرها (الإغريقية والرومانية والأثرية). بهدف إقامة بناء تاريخي جديد لمسألة المناخ، وذلك استنادًا إلى عدة شواهد أدبية وأثرية وجيولوجية.
وضمّ العدد دراسة لعمرو عثمان "دستور المدينة: قراءة في تاريخ النص"، وتهدف هذه الدراسة إلى تتبّع تاريخ تناول المسلمين لنص "وثيقة المدينة" على مدار أربعة عشر قرنًا، محاوِلةً تفسير التطور في قراءته من خلال النظر في السياقات التاريخية التي لم تؤثّر بأفكارها واهتماماتها وتوجهاتها المختلفة في عملية قراءته بوصفه نصًّا فحسب، بل في عملية "صناعته" أيضًا بوصفه نصًّا تاريخيًا مؤسّسًا في الأدبيات الحديثة والمعاصرة. وهي، بعبارة أخرى، تُعنى بتاريخ ذلك النص من جهة أنه موضوع للقراءة تطوّر مع تغير الأوضاع التي عاش فيها من اهتموا به. كما يضمّ العدد دراسة يوسف نكادي "بعض قضايا تنظيم المجال الحضري في قرطبة من خلال كتاب الأحكام الكبرى لابن سهل"، تفنّد هذه الدراسة مقولة غياب العقلانية وضعف مستوى تنظيم المجال الحضري (في مدينة قرطبة، وفي مدن دار الإسلام عامةً) التي روّج لها كثيرًا بعض الباحثين الغربيين. وعلى الرغم من عدم شمولية تلك المادة مختلف جوانب الموضوع، فإنّها تجعل كتاب ابن سهل مُصنَّفًا متفرّدًا عن باقي كتب الفتاوى والنوازل التي وُضعت خلال القرن الخامس الهجري. يمكن اعتماده في تناول موضوع من هذا القبيل، وفي مواضيع أخرى أيضًا.
ونتابع في هذا العدد أيضًا دراسة بعنوان "المقاييس الدقيقة في بلاد المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط: وحدات الإصبع والقبضة والفتر والشبر" لمحمد عمراني زريفي، والتي حاولت التعريف بوحدات الإصبع والقبضة والفتر والشبر، وحوّلتها إلى الوحدة المترية لاستغلالها في الدراسات والأبحاث، كما تساعد القارئ على معرفة المسافات التي كانت تفصل بعض المناطق، وكذلك معرفة القياس بين بعض السلع التي تداول بيعها بين الناس.