أمّا الدراسة الثانية، فهي "الأساطير والطقوس المتشابهة في الحضارات القديمة والأديان" للباحثة آمال عربيد. وقد استعرضت فيها بعض الأساطير في الحضارات القديمة والطقوس المرتبطة بها، منذ وجودها، وهي أساطير تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد. كما استعرضت الباحثة تشابه الأساطير في جوهرها مع بعض معتقدات الأديان السماوية. وتتناول الدراسة ثلاث أساطير وثلاثة طقوس أساسية، استخدمتها الحضارات القديمة كأساس وجودي لتناميها واستمراريتها، ثمّ تشرح كل أسطورة خاصّة بكلّ حضارة على حدة، وتُبيّن ما هو مشترك بين الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ من حيث جوهر المعتقد، مع اختلاف الدلالة.
وجاءت دراسة "التحول من النظام التيماري إلى نظام الالتزام في لواء طرابلس العثماني"، وهي دراسة للمؤرخ السوري محمد جمال باروت، لتُقدِّم معالجةً لإشكالية العلاقة بين نشوء شريحة الأعيان النصيريين (العلويين) المحلّيين بالمعنى العثماني المحدد للتوسط بين الدولة والمجتمعات المحلية في جبل النصيرية، وبين التحول من النظام التيماري إلى نظام الالتزام في لواء طرابلس العثماني الذي كانت مناطق الجبل تابعةً له. ويطرح الباحث هذا التحوُّل كعمليةٍ تاريخية – اجتماعية - اقتصادية حدثت على مدى القرنين السابع عشر والثامن عشر، تعايَش فيها النظامان معًا، لكنّ النظام التيماري لم يعُد مهيمنًا، وصولًا إلى انحلاله الفعلي.
أمّا دراسة "معاهدة السلام بين إيالة الجزائر ومملكة السويد: 1729" للباحث عبد الهادي رجائي سالمي، فهي تحاول أن تُثبت أنّ أول علاقة رسمية بين الجزائر ومملكة السويد لا تعود، كما هو معروف، إلى بداية ستينيات القرن العشرين؛ إذ يلقي الباحث الضوء على معاهدة السلام والتجارة التي عقدت بين الجزائر والسويد سنة 1141هـ/ 1729م، وهي تُعَدُّ أول معاهدة بين مملكة السويد والجزائر. ويناقش البحث الأوضاع والحيثيات في المفاوضات والإجراءات التي حرصت السويد على اتّباعها من أجل إنجاح عملية التفاوض، والكيفية التي تمّ بها الاتفاق على عَقْد السلم بين البلدين.
وفي جانب التدبير الاجتماعي والقانوني للمجتمعات القبلية المغربية بخاصة قبل الحماية (1912)، جاءت الدراسة "وظائف مؤسسة 'ئنفلاس' في مغرب ما قبل الحماية وأدوارها: قبيلة إداوتنان نموذجًا" للباحث ربيع رشيدي. وقد تناول في هذه الدراسة "إداوتنان" القبيلة السوسية المغربية، وبيّن اضطرار المخزن، من خلال مؤسسة ئنفلاس، إلى قبول تنازلات تنقص من حدة قوّته الإدماجية، وهو أمرٌ يطوّعه للسماح لها بتنظيم نفسها بنفسها من خلال مؤسساتها المحلّية، ما يفيد بقاءَها صامدةً تارةً، بوصفها من المؤسسات التاريخية، ومهمشةً بحسب نوع الأحداث وقوتها تارةً أخرى.
أمّا دراسة الباحث محمد محمود الطناحي "التجار والحراك الديمقراطي في الكويت (1921-1939)"، فقد ركّزت على دور التجار في تهيئة الكويتيين للمطالبة بنيل حقوقهم، وسعيهم لنقل الأفكار والتجارب من الخارج إلى الكويت. وتناولت العلاقة بين التجار والأسرة الحاكمة. وبيّنت نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف التي ظهرت بين الطرفين، من خلال تعاطي كلّ طرف مع هذه التجارب خلال هذه الفترة. وقد اعتمدت الدراسة على مصادر ومراجع عربية وأجنبية، وعلى بعض الوثائق البريطانية ذات الصلة. كما اعتمدت على الشهادات الشفهية لبعض الشخصيات التي عاصرت فترة الدراسة، وكانت شاهدةً على تأسيس هذه المجالس وعملها وحلّها، أو الشخصيات ذات الصلة بموضوع الدراسة.
كما ينشر العدد الخامس مادةً مكمّلةً لأخرى كانت قد نُشرت في العدد الأول من المجلة للباحث محمود محارب حول الكتلة الوطنية السورية وعلاقتها بالوكالة اليهودية، وهي بعنوان "من المفاوضات إلى الاختراق العلاقات بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية والمعارضة الشهبندرية". وتعالج هذه الدراسة العلاقات والاتصالات السّرية التي أجرتها الوكالة اليهودية مع قادة الكتلة الوطنية السورية والمعارضة الشهبندرية أثناء الثورة العربية الفلسطينية الكبرى في الفترة 1936 - 1939. وتستند الدراسة، أساسًا، إلى المصادر الأولية، ولا سيما تقارير كبار جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية عن هذه الاجتماعات والاتصالات، وإلى محاضر الاجتماعات بين مسؤولي الوكالة اليهودية وقادة الحركة الوطنية في سورية المحفوظة في الأرشيفات الإسرائيلية، وخصوصًا الأرشيف الصهيوني المركزي، وقد كانت سريةً على امتداد عقود طويلة.
أمّا باب "وثيقة"، فينشر جزءًا من أوراق فتحي البلعاوي بعنوان "بين تأسيس رابطة طلاب فلسطين ومقاومة الإسكان والتوطين" للباحث معين الطاهر. وتتناول هذه الوثيقة أوراق الأستاذ فتحي البلعاوي المحفوظة لدى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن مشروع بحث القضية الفلسطينية وتوثيقها، وكان قد أعدّها من أجل محاضرة ألقاها في الدوحة خلال عمله بها في نهاية السبعينيات، تناولت وضع الطلاب الفلسطينيين في القاهرة في الفترة 1945 - 1955، وهي الفترة التي شهدت وقوع نكبة 1948، كما شهدت تأسيس أوّل رابطة للطلبة الفلسطينيين في القاهرة؛ إذ يروي البلعاوي القصة الكاملة لأوّل تجمُّع طلابي فلسطيني أسفر، لاحقًا، عن قيام الاتحاد العامّ لطلاب فلسطين الذي خرج من نواته الأولى أغلب قادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. كما يروي البلعاوي قصة مناهضة محاولات التوطين في غزة عام 1955.
وفي باب الترجمات، يُقدّم العدد ترجمةً لفصلَي "معرفة الحياة اليومية"، و"الماركسية بوصفها معرفةً نقديةً بالحياة اليومية" أعدّها الباحث ثائر ديب. والنص المترجم هو عبارة عن الفصلين الثاني والثالث في المجلد الأول من كتاب هنري لوفيفر نقد الحياة اليومية؛ إذ يعرض لِمَا يعنيه بمعرفة الحياة اليومية تلك التجربة التي استعمرتها السلع، وغطّى عليها الزيف، لكنها تظل المصدر الوحيد للمقاومة والتغيير، قبل أن يُقدّم الماركسية بوصفها معرفةً نقديةً بتلك الحياة.
أمّا باب المراجعات، فقد ضمّ مراجعةً متميزةً أعدّها الراحل محمد الطاهر المنصوري للعمل المؤسّس على الدين والعلمانية في سياق تاريخي الذي كرّس له المفكر العربي عزمي بشارة ثلاثة مجلدات. كما تضمّن مراجعتين لكل من حكمات خضر العبد الرحمن "البعثات التعليمية في اليابان والمغرب من أربعينيات القرن التاسع عشر حتى أربعينيات القرن العشرين: تباين المقدمات واختلاف النتائج"، والحاج ساسيوي الذي قدّم قراءةً في كتاب الحسن الثاني: الملك المظلوم، بعنوان "صفحات من التاريخ السياسي المغربي خلال عهد الحسن الثاني (1961-1999)".
يختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وهي تشتمل على أربع دراساتٍ مختارةٍ من أوراق الندوة العالمية التي نظّمها قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، بعنوان "تدريس التاريخ في الجامعات والمعاهد العليا: الرؤى والمناهج والموضوعات"، خلال الفترة 25 – 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 5201. وتعالج الدراسات الأربع قضية تدريس التاريخ في الجامعات العربية؛ من خلال الخطط الدراسية، وموقع تاريخ العالم في البرامج التاريخية، والمسكوت عنه في تدريس تاريخ الخليج العربي في جامعات الخليج العربية، وتحقيب تدريس التاريخ في الجامعات المغربية.