شغلت قضية التحولات الذهنية في العصرين الوسيط والحديث العديد من المؤرخين، خصوصًا جاك لوغوف الذي اشتغل على قضية تطوّر الحياة الدينية والاقتصادية وتأثيراتها في عقليات الأفراد المسيحيين، وتتبَّع في إحدى أهمّ دراساته كيفيّة انتقال المجتمع الأوروبي في فترة التحولات الاقتصادية الجديدة من موقف حظر الرِّبا وتحريمه إلى موقف القبول به، كما قام برصد تغيُّر جغرافيا الآخرة من خلال بروز المطهَر بوصفه فضاء جديدًا بين الجنةّ والناّر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر. إن المواقف والتصورات الذهنية المسيحية تغيرت مع مرور الزمن؛ إذ موازاةً مع الولادة الثانية للمَطهر خلال القرون الأخيرة من العصر الوسيط، حدثت تحوّلات في الهياكل الاجتماعية والبنى الاقتصادية. فكيف تمَّ إنشاء معتقد المَطهر من طرف الكنيسة الكاثوليكيَّة؟ وما موقف المصلحين البروتستانت منه؟ وما علاقته بظاهرتي الرِّبا وصكوك الغفران؟ وكيف سحب التجار والمصرفيون المسيحيون البساط من اليهود المرابين أواخر العصر الوسيط؟ وما علاقة معتقد المطهر بالهياكل الاجتماعية والبنى الاقتصادية الجديدة التي بدأت تتشكَّل تدريجيًا مع بداية عصر النهضة؟ وكيف أصبح الأوروبي المسيحي حرًا في تعاملاته المالية بعد أن قيَّدت الكنيسة معاملاته المالية عقودًا من الزمن؟ وكيف مهَّدت نهضة القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدخول أوروبا الغربية مرحلة الأزمنة الحديثة؟