نهتم في هذه الدراسة بمقاربة إشكالية الأصول المصدرية بالنسبة إلى مؤرخي الزمن الراهن L'histoire immédiate في البلدان العربية، متّخذين من حالتَي تونس وليبيا نموذجين لتوضيح بعض عناصر هذه الإشكالية. وسنُعنى على وجه التحديد بأهم الصعوبات التي تحول دون المتخصص في تاريخ الزمن الراهن والإفادة من هذه المصادر التي طرحت عليه تحديات لا قبل له وللمؤرخين العرب بها في ما مضى.
تفيد الإشارة منذ البداية إلى أن المقاربة المنهجية لمصادر تاريخ الزمن الراهن لا تختلف كثيرًا عن مقاربات متخصصي الفترات التاريخية الأخرى، من حيث إخضاع المادة المصدرية، من موارد وأصول وما إليها، إلى قواعد التحقيق والتدقيق المتعارف عليها في البحث التاريخي نفسها. بيد أن خصيصة هذه المصادر تكمن في طبيعتها من ناحية، وحجمها الكبير مقارنةً بمصادر الحقب التاريخية السابقة للزمن الراهن من ناحية أخرى؛ ذلك أن المادة التوثيقية لهذا العنوان الإستوريوغرافي ليست قائمة كلها على المكتوب، بل إن هناك حضورًا متعاظمًا للسمعي والمرئي، أو للصوت والصورة فيها. وبهذا تكون الوثيقة التاريخية قد اتّخذت بُعدًا آخر مهمًا، وهو ما يُحتّم على المؤرخ التدرب والتمرس بطرائق معالجة واستغلال، ومهارات مخصوصة بهذا المصدر الجديد نسبيًا، ويطرح هذا كله على الباحث، في الآن نفسه، تحدياتٍ أخرى جديدة ومغايرة في كتابة التاريخ، كتابة تكون جديرة بالصفة العلمية المنشودة.
لا مندوحة عن القول إن مثل هذه الرهانات تواجه الباحثين في تاريخ الزمن الراهن في العالم قاطبة، وإن بدرجات ومستويات مختلفة (بل مختلفة جدًا أحيانًا)، لكن المؤرخ العربي عرضة – ربما أكثر من غيره – لطائفة من العراقيل والإكراهات وحتى المثبطات (اختزلناها هنا في كلمة معضلة) سنسعى للتوقف عند بعض جوانبها.
قام عملنا في هذه الدراسة على ثلاثة عناصر كبرى: اهتممنا في العنصر الأول بمشكلة نفاذ المؤرخ إلى المصادر الأرشيفية "الطازجة"، وعرضنا في العنصر الثاني لإشكالية التعامل مع المصادر الأرشيفية الشفوية وشهادات الفاعلين والشهود. وكان مدار الحديث في العنصر الثالث حول المصدر السمعي البصري. وقبل هذا كله، ارتأينا أن نقدم للدراسة بما يشبه المهاد النظري، كثّفنا فيه القول في شأن المصادر وأسئلة المؤرخ لما لاستفهاماته من دور في خلق المصدر.