يرى هايدن وايت أنَّ السرد قرين الثقافة وقرين الإنسانية، فهو كما يقول رولان بارت، "موجود ببساطة شأنه شأن الحياة ذاتها ... عالمي، عابر للتاريخ، عابر للثقافات". وهذا ما يجعله ليس مجرد سنّة واحدة بين سنن كثيرة قد تستخدمها ثقافة من الثقافات لإضفاء معنًى على التجربة، بل سنّة كبرى Metacode، أو كلّية إنسانية يمكن على أساسها نقل رسائل عابرة للثقافات. وإذا ما كان بعض أبرز أساطين التأريخ الحديث، مثل توكفيل وبوركهارت وهويزنجا وبروديل، قد رفضوا السرد في بعض أعمالهم التأريخية، على أساس افتراض مفاده أنّ معنى الحوادث التي رغبوا في أن يُعنوا بها لا تعنو للتمثيل بالأسلوب السردي، فإنَّ مثالهم يتيح لنا أن نميّز بين خطابٍ تاريخيٍ يَسْرُد من ناحية، وخطاب يفرض الطابع السردي من ناحية أخرى؛ بين خطاب يتبنى علانيةً منظورًا يطلّ على العالم ويبلغ عنه وخطاب يتكلّف كي يجعل العالم يتكلّم على نفسه مثل حكاية أو قصة. يقوم هذا التمييز بين الخطاب والسرد على تحليل الخصائص النحوية لأسلوبين من الخطاب تُعَرَّف فيهما "موضوعية" الأول و"ذاتية" الثاني من خلال "نظام معايير لغويّ" في المقام الأول. وتتأتّى ذاتية الخطاب من الحضور، الصريح أو الضمني، لـ "أنًا" لا يمكن تعريفه "إلا بوصفه الشخص الذي يحافظ على الخطاب". وبخلاف ذلك، "تُعرَّف موضوعية السرد بغياب كلّ إشارة إلى السارد"، بحيث يمكن القول إنّه "لم يعد ثمّة ’سارد‘ في الحقيقة في الخطاب الذي يضفيالطابعالسردي، وتُسَجَّل الحوادث متسلسلة زمنيًا كما تظهر في أفق القصة. ما من أحد يتكلّم هنا. وتبدو الحوادث كأنها تحكي ذاتها". انطلاقًا مما سبق، يتناول وايت بصورة مفصّلة ثلاثة أنواع أساسية من التمثيل التاريخي، تتضح "التاريخية" الناقصة لاثنين منها في تقصيرهما عن بلوغ السردية الكاملة للحوادث التي يُعنيان بها. هذه الأنواع الثلاثة هي: الحوليات Annals، والأخبار Chronicle والتاريخ History بمعنى الكلمة.