مرّ ردح من الزمن استحلّت فيه عبارة "عقدة البطل" روح المعرفة التاريخية برمّتها، والتي تحولت مع تقادم الزمن إلى ما يشبه الأيقونة أو" الجوكر" المفسّر لمجرى كل الأحداث والوقائع التاريخية. بيد أنّ فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدهما - زمن الحداثة المتداعية - اتسمت بوجود مسعى فكري حرص على نقد هذه البقعة السوداء التي بصمت الإستوغرافيا، وفي الآن ذاته تقديم مقاربة منهجية جديدة في التأريخ، منهجية تعيد الاعتبار لوعي المهمّشين وتستعيد مكانتهم في التاريخ بصفتهم فاعلين في مسرح التاريخ ومشاركين في دراما أحداثه بقدر ما يُعتبرون ضحاياه الصامتين، الذين أريد لهم أن يظلوا في كهف معتم بعيدًا عن نور السؤال التاريخي. وهو ما تجسّد بصورة جلية ضمن أطروحات المدرسة البريطانية: التاريخ من أسفل، التي خرجت من رحم الحوليات وسارت على هديها في منح حق المواطنة التاريخية لعوام الناس. ولإنجاز ذلك كانت المدرسة خارج كل نزعة تقليدية، وجعلت من التعدُّد في الاختصاصات عقيدتها. تسلط هذه الورقة الضوء على المدرسة البريطانية التي رسّخت تقليدًا علميًا متميّزًا وملهمًا - التاريخ من أسفل - في عملية الكتابة التاريخية. كما تسعى إلى تحليل طبيعة العلاقة بين التوجهات البحثية للمدرسة، ومدى تأثرها بالتحولات الهائلة التي شهدتها البشرية خلال القرن الماضي على المستويات كافة. فضلًا عن استنطاق بعض الوشائج المعرفية والتواصلية التي ربطها هذا التيار الإستوغرافي بالتخصصات المعرفية الأخرى.