اهتمّت أغلب الدراسات المتعلقة بالدولة برأسها، وأجهزتها، وهياكلها، ومؤسساتها المركزية. واستعمل الباحثون، غالبًا، الوثائق المنتجة مركزيًّا؛ أي الأرشيف الرسمي للدولة، دون غيرها. أما هذه الدراسة فهي تتعلّق بالدولة في البلاد التونسية خلال العصر الحديث، ولكن مع تنويع في سلّم النظر والموازاة بين المحلّي والمركزي ومراعاة تمثّلات الفاعلين وخطاباتهم. وقد اعتمدت الدراسة على مصادر أفرزتها البيئة المحلية في الأطراف تتّسم بكونها متخلّصة، نسبيًّا، من إكراهات المركز. واحتوت هذه المصادر المحلية على تعبيرات خاصة وعكست التصورات الحاملة لانتظارات سكان الأطراف من الدولة ولعلاقاتهم بها؛ إذ تتطوّر تمثّلات السكان للدولة بحسب السياقات التاريخية المتعاقبة، بالتوازي مع مسار تشكّل الدولة، ومع مدى تقبلها من الأفراد والجماعات. وتعزّز نتائج هذه الدراسة فكرة وجود تعدّدٍ وتنوّعٍ في المسارات التاريخية المفضية إلى نشأة عناصر الدولة الحديثة والمؤسّسة لمشروعيتها.