صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه"، كتاب بعنوان الهجرات النسائية الجديدة في أفريقيا: المحددات والديناميات لرشيد بن بيه، وقد جاء الكتاب في 440 صفحة، وهو يشتمل على قائمة ببليوغرافية وفهرس عامّ.
يرى الباحث، في هذا الكتاب، أنّ أغلب المقاربات النظرية الجديدة للهجرة قد بلورها باحثون غربيون استنادًا إلى وجهة نظر إبستيمولوجية "غير معلنة" للبلدان الغربية التي تشهد تناميًا لظاهرة الهجرة الوافدة. فبالنسبة إلى هؤلاء الباحثين، شكّلت تحديات الهجرة إلى هذه البلدان دافعًا لدراسة هذه الظاهرة، لكن من دون اهتمام كبير بانعكاسات عمليات التكييف الليبرالي على توسع الهجرات في أفريقيا؛ الأمر الذي قد يرتّب المسؤولية على البلدان الغربية وسياساتها في أفريقيا. وقد مكّن تغيير الباحث موقع النظر إلى الهجرات المعاصرة في أفريقيا تغييرًا إبستيمولوجيًا، عبر استحضار التجربة التاريخية المعاصرة للبلدان الأفريقية، من تحليل العلاقات المعقدة بين عمليات اللبرلة الاقتصادية والهجرة النسائية، وفهم مختلف دينامياتها في بلدان الاستقرار، استنادًا إلى محددات سوسيولوجية وثقافية وأنثروبولوجية. ووفقًا للباحث، أفرزت انعكاسات سياسات التكييف الليبرالي التي طبقتها البلدان الأفريقية أو وجدت نفسها مكرهة على تنفيذها منذ ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت في تنفيذها وفق مسميات جديدة، هجراتٍ نسائيةً جديدة مغايرة لسائر أنواع الهجرات الجديدة.
يَنْتَظم الكتاب في ثلاثة أقسام: يعرض القسم الأول ديناميات التوافد من بلدان الساحل وجنوب الصحراء إلى المغرب، ويَبحث في المحددات المُحركة لهذه الهجرات، انطلاقًا من تلك التي تُفصِح عنها الظاهرة في مستويات محلية في بلد الاستقرار، خصوصًا المحددات الميكروبنيوية. وإذا ما كان هذا النوع من التحليل يُمكن أن ينطبق على جميع الظواهر، فإنّ الباحث رشيد بن بيه قد احتاط منهجيًّا من هذا المنزلق؛ إذ إنه لن يدرس إلا المحددات البنيوية التي تكشفها الظاهرة، والملاحظة في جماعات المهاجرات، والتي يمكن التأكد منها من خلال تحليل سياقات الهجرة. وقد توزع هذا القسم على ثلاثة فصول: الأول، سوسيوإثنوغرافية أمكنة وجماعات نسائية مهاجرة؛ والثاني، المحددات البنيوية والأنثروبولوجية لهجرة النساء؛ والثالث، ذاكرة المهاجرات ومساراتهن في الهجرة.
أمّا القسم الثاني من هذا الكتاب، فهو يهدف إلى تحليل ديناميات حضور النساء المهاجرات في المجتمع المغربي، من جهة علاقاتهن الاجتماعية، والسرديات المشكّلة حولهن، وأشكال النقل الثقافي التي تحدث بفعل نشاطهن الاجتماعي، ونوعية الإرث الثقافي الذي يجسده هذا الحضور في محليات البحث. وقد حاول رشيد بن بيه تحليل هذه الديناميات في ثلاثة فصول، كما يلي: الفصل الرابع، الوضعيات السوسيومهنية والعوالم الاجتماعية للمرأة المهاجرة؛ فالفصل الخامس، المرأة المهاجرة في نسق علاقات التفاعل الاجتماعي؛ فالفصل السادس، ثقافة المرأة المهاجرة وأشكال تنظيم حياتها الاجتماعية.
من جهة أخرى، يحلل القسم الثالث، وهو القسم الأخير، ديناميات الفعل الاجتماعي المُنظَّم للنساء الوافدات إلى المغرب، ويُبيِّن كيف أنهنّ استطعن التأثير في المجتمع المغربي، وإعادة التموقع في الفضاء الاجتماعي؛ باستثمار مورد الدين، والتنظيمات الجماعاتية، والعلاقات المؤسساتية. ويتعلق الأمر بالديناميات البارزة، وإن كانت تتطور بإيقاعات بطيئة. وتتمثل هذه الديناميات بدينامية التدين في الفصل السابع؛ ودينامية الفعل المدني المنظم في الفصل الثامن؛ ودينامية التشغيل الذاتي والعلاقات الشغلية في الفصل التاسع.
لا يدّعي رشيد بن بيه أنّ هذا الكتاب أحاط إحاطةً شاملة بالموضوع، ويرى أنه يفترض ألّا يُدرس أفراد هاتين الجماعتين المهاجرتين في المغرب فحسب، بل إنّ الأمر يقتضي – فضلًا عن ذلك - الانتقال إلى بلدان المهاجرات الأصلية لدراسة وضعيتهن قبل الهجرة أيضًا. ولعلّ كلّ ما طمح إليه هو الوصول إلى أسئلة بحثية جديدة، من أجل إدماجها في مشروع بحثي مستقبلي، وقد اختار ألَّا يُدخل على مُنطلقه النظري والمنهجي: الإشكالية، والفرضيات تحديدًا، أيّ تعديل يُوافق نتائج البحث. وكما يبدو من الخاتمة، فإنّ خلاصات البحث تقع خارج دائرة الفرضيات المحددة سلفًا لهذا الكتاب. ولعلّ أهمية أي بحث في نظر الباحث تَكمن في قدرته على طرح أسئلة جديرة بالاهتمام.